الجمعة، 24 يوليو 2015

كيپلر ربعمية إتنين وخمسين ب ، وبداية عصر جديد من البحث العلمي

مش قلتلكوا قبل كدة شهر يوليو 2015 ده شهر ربنا مباركله؟
إكتشافات ورا إكتشافات. وأخيراً إعلان ناسا إنهم إكتشفوا كوكب جديد بعض الناس سماه "الأرض إتنين" (إسمه الحقيقي كيپلر أربعمائة وإتنين وخمسين باء). وتتطاير الأخبار والإشاعات: ناسا بتقول إنه زي الأرض ، ناسا بتقول إنه حيكون بيتنا الجديد ، ناسا بتقول إنه مش عارف إيه. ونتيجة ذلك طبعاً فيه ناس كتير بتتساءل إيه يعني أهمية الإكتشاف الجديد ده؟ شكل ناسا عاملة علينا شغل علشان يبرروا مليارات الدولارات إلي بيصرفوها علي المشاريع دي.
لأ بص ، هو الموضوع لازم يتشرح من الأول علشان نفهم أهمية الموضوع.
إحنا بنبص للسما وبنشوف نقط كتير منورة ، النقط دي ، إلي بنسميها "النجوم" ، في الواقع أغلبها شموس بعيدة جداً وممكن يكون كتير منها أكبر حجماً وأكثر إضاءة من شمسنا ، لكن علشان بعاد جداً بيبانوا يادوب نقطة نور. وفيه من وقت للتاني نقط منورة إلي هي بعض كواكب المجموعة الشمسية بتاعتنا ، يعني الكواكب إلي بتلف حوالين الشمس بتاعتنا زي المريخ وزحل والباقيين. الغريبة بقي إن بعض كواكبنا ، زي پلوتو ، لا يمكن نشوفه بالعين المجردة لكن محتاج تليسكوپات قوية لأنه بعيد ، لكن إحنا شايفين الشموس إلي هي أبعد من پلوتو جداً ، إشمعني؟ لأن الشموس بتنور بإضاءة قوية لكن الكواكب مالهاش الإضاءة الخاصة بتاعتها وأخرها تعكس نور الشمس.
ومن هنا مشكلة إننا نشوف كواكب بتدور حوالين الشموس الأخري. كلها أصغر من شموسها جداً ومالهاش ضوء خاص ، وبالإضافة لكدة قريبة من شموسها فضوء الشمس بتاعتها بيغطي عليها تماماً ، فما نعرفش نشوفها لا بالعين المجردة ولا بالتليسكوپات.

لحظة واحدة ، أما إحنا ما نعرفش نشوفها ولا حتي بالتليسكوپ ، الكواكب إلي ناسا عمالة تكتشفها دي بيكتشفوها إزاي؟

حقولك حالاً بس واحدة واحدة عليا.

فيه طريقتين أساسيتين ، الطريقة الأولي هي قياس شدة إضاءة النجم المذكور علي مدة طويلة ، ولو الإضاءة دي خفتت شوية نقدر نستنج إن فيه كوكب أو كواكب بيدور حواليها عدي من قدامها وحجب عننا ضوءها بنسبة بسيطة. وبتحليل الطيف الناتج عن الضوء ودراسته بالتفصيل يمكن نقدر نحدد كام كوكب وأحجامهم إيه وبعدهم إيه عن النجم وهكذا.

 الطريقة التانية معقدة شوية ، صبرك معايا.
دلوقتي تخيل معايا شمس من الشموس دي ، كبيرة قوي وبتشع ضوء قوي. وتخيل معايا إن الشمس دي ليها كوكب واحد فقط لاغير بيدور حواليها. إلي إنت متخيله دلوقتي إن الشمس دي ثابتة والكوكب بيلف ، صح؟ مش الصورة دي إلي في بالك:


 شمس ثابتة وكوكب بيلف حواليها في مدار "بيضاوي" (أو للدقة مدار إهليجي) ، مش هو ده إلي إتعلمناه في المدارس؟
 طيب إيه رأيك بقي إن الكلام ده مش صحيح؟ الصحيح إن الكوكب والشمس هم الإتنين مع بعض بيلفوا حوالين نقطة مشتركة. يعني الصورة الصحيحة حاجة زي كدة:

وخلي بالك إن كل ما كانت الشمس كبيرة والكوكب صغير كل ما كانت الظاهرة دي مش باينة ، يعني لو بنتكلم علي شمس بحجم شمسنا وكوكب بحجم الأرض حركة دوران الشمس إلي إنت شايفها في الصورة دي مش بتبان بوضوح لأن مركز الشمس بيبقي قريب جداً من النقطة المذكورة. لكن لو الشمس مش كبيرة قوي والكوكب عملاق ، زي المشتري مثلاً ، بتبان الظاهرة دي أكتر شوية. علشان كدة هم مجازاً ما شرحولناش النقطة دي في المدرسة لأن تأثيرها مش قوي.
طيب إيه علاقة الظاهرة دي بموضوعنا؟ العلاقة إن الظاهرة دي هي تاني أهم وسيلة لإكتشاف إذا كانت هناك كواكب تدور حول شموس أخري ، كل إلي نعمله إننا نوجه تليسكوپاتنا ناحية النجم نفسه ، لو شفنا النجم ثابت نعرف إنه لوحده ، لكن لو شفناه بيلف في مدار صغير زي في الصورة الأخيرة نعرف إن له كواكب مأثرة عليه ومخلياه يعمل كدة ، ومن شكل الدوران وسرعته وعوامل أخري نقدر نحدد كام كوكب وحجمهم قد إيه وبعدهم عن النجم بتاعهم قد إيه وهكذا.

يعني إحنا لما بنكتشف كواكب في مجموعات أخري مش بنشوف الكواكب نفسها بصورة مباشرة لكن بنقيس تأثيرها علي الشموس بتاعتها.

وضحت؟

طيب الحمد لله. نتيجة لكدة ناسا وغيرها إكتشفوا كواكب كتير بتدور حوالين شموس أخري ، لكن معظم هذه الكواكب كواكب غازية عملاقة زي المشتري بتاعنا وزحل ، لأن كل ما كان الكوكب كبير كان إكتشافه أسهل بالطرق المشروحة فوق. العثور علي كواكب بحجم كوكبنا الأرض كان صعب جداً لأن تأثير دول علي شموسهم ضعيف (شوف الموقع ده) وكان من المهم إننا كمان نقوي التليسكوپات بتاعتنا ، ومن هنا جاءت فكرة تليسكوپ "كيپلر". التليسكوپ ده مش مجرد تليسكوپ زي إلي في بالك ، ده تليسكوپ محطوط علي قمر صناعي بيدور حوالين الأرض (زي تليسكوپ "هابل" لو سمعت عنه). ليه؟ علشان يبقي أسهل عليه "يشوف" من غير ما يكون المجال الجوي بتاع الأرض حائل للرؤية زي التليسكوپات الأرضية كدة. ومهمة كيپلر ، إلي إتحط في مداره من ستة سنوات ، إنه يصور شدة إضاءات النجوم بأدق طرق ممكنة ويبعت المعلومات دي لمعامل ناسا في صورة أرقام ، يقعدوا بقي العلماء يفصصوا في الأرقام دي ويحللوا فيها بالكمپيوتر علشان يستنتجوا منها إذا كانت النجوم دي ليها كواكب أو لأ بقياس الظاهرتين المشروحين أعلاه. وهدف كيپلر تحديداً العثور علي كواكب بحجم الأرض ، وفعلاً لقي منها كتير. طيب إذا كان كدة ، إيه أهمية الإكتشاف الأخير ده؟
أهميته إن ده أول كوكب صخري مش غازي مش بس بحجم الأرض (هو أكبر شوية) لكن موقعه بالنسبة للشمس بتاعته مش قريب قوي ومش بعيد قوي ، يعني إيه؟ يعني هو علي مسافة من شمسه تسمحله إن يكون عليه مياه سائلة ، لو كان أقرب من كدة كانت الميه حتتبخر ولو أبعد كانت حتتجمد. ودي نقطة مهمة جداً جداً. كوكب بنفس ظروف الأرض ، بنفس درجة حرارة الأرض ، بنفس عمر الأرض (أقدم شوية) بيدور حوالين نجم زي شمسنا تقريباً وكمان في الغالب عليه بحار ومحيطات وأنهار!
الله ، دي الظروف ملائمة لهذا الكوكب لتطور الحياه زي ما تطورت علي أرضنا بقي!!
أيوه ، الله ينور عليك. وصلنا لمربط الفرس ، إعلان ناسا إنه ملائم للحياة مش معناه إطلاقاً إنهم قصدهم إننا نروح هناك زي بعض الناس ما فهمت ، القصد هو إن نظراً لتشابه الظروف مع كوكبنا يبقي إحتمال نشوء الحياة علي الكوكب ده زي إحتمال نشوء الحياة علي الأرض بالظبط. إيه ده؟ أكيد يعني عليه حياة؟ لأ مش أكيد ، مافيش حاجة أكيدة هنا. لكن الإحتمال كبير. ويمكن بقي لما ندخل الإكتشاف ده مع الموضوع التاني بتاع "سيتي" نوصل لنتيجة حلوة في خلال العشر سنين إلي جاية.

إبقوا معنا.

الأربعاء، 22 يوليو 2015

ألو؟ مخلوقات الكواكب الأخري؟


مافيش شك إن شهر يوليو من سنة 2015 كان شهر الإكتشافات والأحداث العلمية والتاريخية المتسارعة. في أسبوع واحد وصلنا كويكب پلوتو ، وتم إكتشاف حاجة إسمها الكوارك الخماسي ، إلي يمكن محتاج المقالة دي علشان نفهم حكايته إيه من الأول ، وبعدين فرميون فايل ، برضه محتاج شوية خلفية ، وتم إكتشاف أقدم مصحف يعود إلي عصر الرسول (ص) في متحف في إنجلترا ، وبعدين إنسان ألي روبوت إجتاز إختبار هام في الذكاء الإصطناعي ، وأخيراً وليس أخراً سمعنا خبر هام عن تخصيص مئة مليون دولار لأبحاث السيتي SETI أو
Search for Extraterrestrial Intelligence
"البحث عن ذكاء خارج الكرة الأرضية"
وهو ده الموضوع إلي عايز أتكلم عنه النهارده. إيه بقي الحكاية دي؟
إحنا عارفين إن الكون إلي إحنا فيه ده واسع قوي ، لأ بجد واسع ، واسع إلي درجة من الصعب وصفها. في أفضل التقديرات قطر الكون إلي إحنا شايفينه بس حوالي إتنين وتسعين مليار سنة ضوئية ، إلي هي تعادل حوالي 
800000000000000000000000
كيلومتر! ده رقم أكبر من تخيلك صدقني. فيه أرقام كدة مانعرفش نتخيلها. وده بس القطر إلي إحنا شايفينه. لأ وعمال يكبر ويتمدد كمان. كل هذا الوسع مليان مجرات ، أعداد ضخمة جداً من المجرات ، حاجة بتاعة مئة مليار مجرة ، كل مجرة فيها في المتوسط مئة مليار نجم ، يعني مجموع
10000000000000000000000
نجم ، وكل التقديرات والإرصادات بتقول إن معظم هذه النجوم ليها كواكب بتدور حواليها.
إيه يا عم الأرقام دي؟ أنا كنت فاكر أخرنا كويكب پلوتو وبتاع. ده الكون ده طلع بحر!
أه سيادتك وأكبر من البحر كمان.
طيب حلو قوي ، السؤال الحيوي بقي إلي أنا عمال أوضبله بقالي عشر دقايق: الكواكب دي كلها فاضية كدة؟ مافيش حياة إتكونت عليها كلها؟ مافيش مخلوقات ذكية زينا كدة عملوا تكنولوجيا وحضارات ، وليهم تاريخ وعاشوا حروب ، وعندهم أديان ومشاكل زي بتاعتنا كدة؟ معقولة يعني الدنيا الواسعة دي كلها ومافيش غيرنا؟ هو ده السؤال إلي بيسألوه الجماعة بتوع مشروع "سيتي". طيب الإجابة تبقي إزاي؟
شوف سيادتك. إحنا عدي علينا دلوقتي حوالي ميت سنة كدة من ساعة إختراع الراديو والتليڤزيون واللاسلكي والتليفونات والحاجات الجميلة إلي مانقدرش نعيش من غيرها دي (ولا عايز تقولي إنك ماتفرجتش علي مسلسلات رمضان السنادي؟). طيب الحاجات دي بتشتغل إزاي؟ بتشتغل بالموجات الكهرومغناطيسية إلي منها موجات الراديو واللاسلكي واللاذي منه. محطة التليڤزيون أو الراديو بتبعت موجات والجهاز بتاعك بيستقبلها ويحولها لصوت وصورة. طيب هل الموجات دي بتفضل علي الأرض معانا؟ لأ طبعاً ، بالعكس ده معظم الموجات دي أصلاً بيطلع من الغلاف الجوي وبتطير في الفضاء وبتبعد عن الأرض. يعني لو فيه حد في الكواكب الأخري مشغل تليڤزيون ممكن جداً يستقبل المسلسل زي سيادتك عادي. بس الفرق بينك وبينه إن الموجات دي بتاخد وقت أطول علشان توصله ، لأنه هو أبعد بكتير منك عن محطة الإرسال. إنت علشان يوصلك المسلسل علي البيت من المحطة مابياخدش ثواني ، لكن بالنسباله هو ممكن ياخد سنين وقرون طويلة بس علشان توصله. يعني ممكن سكان الكواكب الأخري يكونوا دلوقتي بس بيتفرجوا علي فوازير نيللى لأول مرة.
وبالعكس بقي ، لو هو في الكواكب الأخري وصل لنفس المرحلة التكنولوجية بتاعتك دي أو أحسن منك ، أكيد أكيد إخترع عنده حاجات زي التليڤزيون والراديو وأكيد أكيد الموجات بتاعته بتتسرب في الفضاء ، وأكيد أكيد لو سيادتك عندك إيريال قوي شوية ممكن تستقبل فوازير "خيشواقتولكانسپيترفوشتان" من المحطة التليڤزيونية الفضائية لكوكب "بيڤتاردوستينجرافونيا". يعني لو إحنا لقطنا إرسالاته دي حنعرف إنه موجود وإن حضارته علي الأقل زينا ويمكن كمان أكثر تقدماً.
طبعاً مش كل إشارة كهرومغناطيسية جاية من الفضاء معناها وجود حضارة ذكية وراها. بالعكس الغالبية العظمي من هذه الإشارات جاية من مصادر طبيعية تماماً زي إنفجارات نجمية مثلاً. طب حقولك حاجة ، لما سيادتك بتشغل راديو العربية مش علي محطة لكن بين المحطات ، مش فيه دوشة كدة "وشششششش"؟ إيه رأيك إن مصدر الدوشة دي معظمه مش من الأرض لكن من الفضاء الخارجي؟ فاكر التليڤزيونات بتاعة زمان إلي لما كان الإرسال يخلص تشوف شاشة كلها نقط بتتنطط وبتعمل "وشششششش"؟ برضه موجات كهرومغناطيسية من الفضاء. ولذلك جزء كبير جداً من شغل الناس بتوع "سيتي" إنهم يدوروا في وسط الهيصة دي كلها علي الموجات القليلة إلي مصدرها مستحيل يكون طبيعي ، لأنها مش حتكون موجات عشوائية ، حتكون فيها رسالة ، أو مسلسل تليڤزيون.

هو ده بقي مشروع "سيتي" ، نوجه أرايل قوية جداً في إتجاه الفضاء ونقعد نسمع علي أمل إننا نكتشف إننا مش لوحدنا في الكون الكبير ده. المشروع ده بقاله حوالي خمسة وخمسين سنة شغال ، وماهواش شخص واحد إلي بيشتغل فيه ولا مجموعة واحدة ، لأ دي فرق علماء مختلفة في العالم بتشتغل مع بعض. فيه مشاكل؟ أه فيه مشاكل طبعاً. من أهم هذه المشاكل مشكلة التمويل. الحاجات دي بتكلف ، بتكلف مثلاً مرتبات العلماء والطلبة إلي بيشتغلوا معاهم ، بتكلف تكنولوجيات متطورة في تقنيات الكمپيوتر ، بتكلف أكتر حاجة إيجار الأرايل العملاقة إلي عندها القوة الكافية إنها تستقبل الإرسال التليڤزيوني من الكواكب أو حتي المجرات الأخري. لأن الأرايل دي ، إلي بيسموها تليسكوپات الراديو
Radio telescopes
موجودة في كل حتة في العالم (شكلها يشبه طبق القمر الصناعي إلي في المعادي) وبتستعمل لأغراض كتير وإلي عايز يستعملها علشان يدور علي مخلوقات الكواكب الأخري لازم يشخشخ جيبه ويدفع تمن إستعمالها عدد معين من الساعات أو الأيام. والحاجات دي غالية ، مش رخيصة. ولذلك مشروع "سيتي" مشي علي مهله قوي في الخمسة وخمسين سنة إلي فاتوا ، علي مهله خالص ولسة ماسمعوش حاجة ، لأن ماحدش عايز يصرف في الموضوع ده.

Radio telescope - Simple English Wikipedia, the free encyclopedia

لغاية الخبر إلي سمعناه إمبارح. الخبر بيقول إن ملياردير روسي إسمه "يوري ميلنر" بالتعاون مع علماء كبار من أهمهم الفيزيائي الأشهر ستيفن هوكنج عايز يتعاون مع علماء العالم إلي بيشتغلوا في مشروع "سيتي" وحيمولهم بمبلغ مئة مليون دولار أمريكي من جيبه. بالنسبة لمشروع "سيتي" ده مبلغ كبير ومش قليل ، وحينعنش المشروع جداً لمدة عشر سنين علي الأقل. الراجل ده مش عالم ، لكن بيحب العلوم جداً ، وأسس مؤسسة إسمها
Breakthrough Prize Foundation
هدفها تمويل المشاريع العلمية الصعبة ، ومؤخراً قرر هو والمؤسسة بتاعته إنهم يركزوا مع الجماعة بتوع "سيتي" ، عل وعسي نعرف أخيراً إذا كنا وحدنا في الكون ولا لأ.

الموضوع ده كبير ، كبير جداً ، لأ كبير جداً جداً. إحنا لو قدرنا نتصل بمخلوقات ذكية أخري ، أو علي الأقل نتصنت عليهم ونتأكد من وجودهم ، ده حيكون بلا أدني شك نقلة ضخمة جداً في تاريخ الحضارة البشرية. نقلة لا يضاهيها إلا حدث وجودنا علي الأرض نفسه. وتاريخ البشرية في المستقبل حيصنف "ماقبل الإتصال" و"مابعد الإتصال". ياتري هم إيه؟ يا تري في نفس تقدمنا ولا متقدمين عننا؟ يا تري لقيوا بعض لكن مالقيوناش إحنا لسه؟ ياتري بيتصلوا ببعض إزاي؟ هل بيسافروا بين النجوم والمجرات وإيه التكنولوجيا إلي بيستعملوها؟ ياتري لقيونا بالفعل لكن مطنشيننا لأننا مش قد المقام ولا إيه الحكاية؟
أسئلة كتير جداً ، وأتمني تكون الإجابة قريبة.
 بقولكوا إيه ، أنا شكلي حغير تخصصي وأشتغل في الموضوع ده ، هو تليفون "ميلنر" ده كام؟ حديله رنة.


السبت، 18 يوليو 2015

النموذج القياسي للفيزياء : الجزء الثاني

نستكمل هنا موضوعنا الذي بدأناه بالمقال:

 وصلنا في الجزء الأول إلي أن النموذج القياسي للفيزياء هو مجموعة من المعادلات والنظريات بتحكم ثلاثة من قوي الطبيعة المعروفة ، وهي القوي الكهرومغناطيسية والنووية القوية والنووية الضعيفة. طيب بينتج عن ده إيه؟ يعني إيه طبيعة هذه القوي وبتشتغل إزاي أصلاً؟
علشان نعرف الإجابة علي السؤال ده لازم نعدي في مرحلتين. المرحلة الأولي نعرف حاجة إسمها "المجال" أو
Field
ماتقفلش الصفحة!
ماتقفلش الصفحة!

الموضوع مش صعب والله بس ركز معايا ، لما العلماء بتوع القرون الماضية إكتشفوا قوي الجاذبية والكهرومغناطيسية كان عندهم مشكلة كبيرة هي ما سماها نيوتن بمشكلة "التأثير عن بعد"
Action at a distance
يعني إيه؟ أنا وإنت عارفين إن الكرة الأرضية مثلاً إلي إحنا قاعدين عليها دلوقتي بتشدنا علي سطحها بقوة الجاذبية ولولا هذه القوة كان زماننا طايرين في الفضاء وماكانش حيبيقي فيه حياة علي الأرض أصلاً. بس السؤال إلي بيطرح نفسه إيه هي القوة دي بقي؟ يعني شكلها إيه؟ إيه بالظبط هذه اليد الخفية إلي إحنا مش شايفينها إلي طالعة من الأرض وماسكة فيك مانعاك من الطيران؟ وليه إحنا مش شايفين هذه القوة الخفية وكيف تؤثر علينا عبر المسافات؟ هي دي مشكلة التأثير عن بعد.
نيوتن كان مدرك أهمية هذه المشكلة ولكنه كان عارف إن فهمها أكبر من إمكانياته أيامها ولذلك قال في كتابه الشهير "المباديء الرياضية للفلسفة الطبيعية" أنه
Hypothesis non-fingo
"هيپوثيسيس نان فينجو "
وهي جملة لاتينية معناها "لن أفترض أي شيء" أو بالبلدي كدة "أنا مش عارف بس هي كدة." وترك الإجابة علي هذا السؤال لأجيال المستقبل.
ونفس التساؤل بالنسبة لتأثير الجاذبية عن بعد ينطبق علي الكهربية والمغناطيسية. سيادتك مثلاً لما تقرب إبرة معدنية من مغناطيس تلاقيها طارت من إيدك ولزقت في المغناطيس. طيب هي إيه القوة الخفية دي إلي خرجت من المغناطيس وشدت الإبرة؟ والقوة دي أصلاً عرفت إزاي إن فيه إبرة علشان تطلع تشدها‫؟ "هايپوثيسيس نان فينجو" برضه سيادتك. وما ينطبق علي هاتان القوتان ينطبق أيضاً علي القوتين النوويتين إلي شرحناهم في المقال السابق.

جه بقي في القرن التاسع عشر عمنا مايكل فاراداي العالم الإنجليزي الأشهر وحل المشكلة جزئياً بإفتراض أن هناك حاجة إسمها "مجال القوة" أو إختصاراً "المجال" ، وهو زي ماتقول كدة حاجة بتملا الكون كله وإحنا مش شايفينها لكن دائماً موجودة. بمعني لو رجعنا لمثال الجاذبية ، نقدر نقول إن الكرة الأرضية منذ بدء الخليقة "بتشع" مجال خفي مالي كل الفراغ حواليها إلي مالانهاية ، ولما حاجة بتدخل المجال ده بتتفاعل معاه و"بتحس" بقوة الجذب. ونفس الكلام ينطبق علي القوي الأخري. يعني المجالات دي عاملة زي محيط لانهائي من قوي خفية موجود دائماً ولما أنا وإنت ننزل فيه بنشعر بيه وبنتفاعل معاه وأمواجه عمالة تزق وتشد فينا مع إننا مش شايفين حاجة.

نظريات ماكسويل ويانج ميلز (الموضحة في المقال الأخر) إلي بتشكل الأساس الرياضي للنموذج القياسي هي في الواقع نظريات مجالية
Field theories
ومعادلاتها بتحكم حركة هذه المجالات الخفية ، يعني بتحكم حركة امواج البحر.

طيب ماشي وبعدين ، زي ما ذكرنا في المقال السابق إحنا مضطرين نضيف علي هذه النظريات قواعد ميكانيكا الكم وينشأ عن تلاحم نظريات المجال مع ميكانيكا الكم نظريات جديدة إسمها
Quantum field theories
أو نظريات المجال الكمية. شفنا أمثله ليها في المقال السابق إلي هم
QED
QCD
Electroweak model

نتيجة إلتحام النظريات المجالية بميكانيكا الكم بيحصل حاجة غريبة جداً ، فجأة نكتشف إن كل مجال من هذه المجالات لما نبص عليه علي مستوي ضئيل جداً نلاقيه مكون من حبيبات صغيرة جداً جداً جداً مالية الفراغ كله (ملحوظة للمتخصص: أنا مدرك تماماً إنني مبسط الأمور قوي) هذه الحبيبات تتصرف كما لو كانت جسيمات صغيرة عمالة تخبط في بعضها. دي عاملة زي إيه؟ عاملة زي ما تعتبر مياه المحيط مجال من المجالات وسيادتك بتعوم فيه والأمواج عمالة توديك وتجيبك ، لكن لو بصيت علي مستوي ضئيل جداً جداً تكتشف إن مياه البحر في الواقع مكونة من حبيبات صغيرة إلي هي جزيئات المية والملح وخلافه وإنك مش عايم في مجال لكنك عايم في وسط بليارات البليارات من الجسيمات طايرة يمين وشمال وعمالة تخبط فيك وفي بعضها.

يعني الكهرومغناطيسية مكونة من حبيبات صغيرة؟ أيون ، دي الحبيبات إلي بنسميها الفوتون
Photon
والقوي النووية القوية مكونة من حبيبات برضه؟
أيون برضه دي بنسميها الجلوون
Gluon
لأنها زي الصمغ (Glue) بتلزق الكواركات في بعضها.
والقوة النووية الضعيفة؟ حبيباتها إسمها إيه؟ دول بقي إتضح إنهم تلاتة ، وسموهم بأسماء مش رومانسية خالص ، سموهم جسيمات الدبليو موجب وسالب وجسيم الزيد صفر:
W+, W-, Z0
دي حاجة تلخبط يا جدع. يعني قصدك تقول إن بدل الواحد ما يتخيل مجال خفي بيطلع من المغناطيس ويشد الإبرة ، يتخيل عدد ضخم جداً من حبيبات الفوتون بيطلع من المغناطيس ويشد الإبرة؟
أم م م م م م م
أيوة حاجة زي كدة. بص أنا علي فكرة مبسط الأمور قوي علشان نعرف نتخيل صورة في دماغنا ، لكن الواقع إن التخيل هنا صعب جداً ومن المستحيل إنك تحط صورة دقيقة لهذه التفاعلات. ليه مستحيل يا عم؟ أقولك ليه. لأننا مش متعودين علي قواعد ميكانيكا الكم إلي هي أساس كل ده ، إحنا متعودين علي قواعد ميكانيكا نيوتن إلي بنشوفها في حياتنا كل يوم. لكن ميكانيكا الكم ليها قواعد لا تنطبق علي الحاجات إلي بنشوفها في حياتنا اليومية. صحيح المعادلات صحيحة والتجارب بتثبت المعادلات ، لكن التخيل بيبقي صعب جداً ، ولذلك التصورات إلي كتبتها في هذه المقالة لهي تصورات تقريبية جداً جداً جداً.

كويس ، أدينا عرفنا إن المجالات التلاتة بتوع النموذج القياسي هم في الواقع جسيمات وحبيبات. طيب والجاذبية؟ القوة الرابعة؟ وضعها إيه؟ زي ما ذكرت في المقال الأول الجاذبية لسة مانعرفش علاقتها بميكانيكا الكم إيه ، ولذلك إحنا بنفترض إنها هي كمان عبارة عن جسيمات وحبيبات ، لكن هذه الجسيمات لم نكتشفها حتي الأن معملياً لأننا ماعندناش تجارب تسمح بقياسات "كَمِية" للجاذبية. مع ذلك فهي ليها إسم ، بيسموها الجراڤيتون
Graviton

حلو قوي. وصلنا لمربط الفرس: المجالات مكونة من جسيمات. حط فوقيهم بقي الجسيمات التانية إلي موجودة في الطبيعة وأنا وإنت درسناها في ثانوي زي الإلكترون والكواركات وإنت يبقي عندك صورة كاملة لقوي الطبيعة وتفاعلاتها مع بعض ومع المادة. ويبقي النموذج القياسي من أوله لأخره ليس إلا النظرية الرياضية إلي بتحكم خواص وعلاقات هذه الجسيمات مع بعضها. ونقدر نلخص النموذج القياسي كما في هذه الصورة:
(مصدر الصورة: http://quantum.goetheanum.org/The-Standard-Model-of-Fundamental-Particles-and-Interactions.6482.0.html)




ومن الملاحظ إن الصورة دي فيها جسيمات ما إتكلمناش عنها زي النيوترينو بأنواعه الثلاثة والميون والتاو. هذه الجسيمات الغريبة مش معتادة لينا ومادرسناهاش في ثانوي لأنها مش داخلة في تركيب الذرة. وفيه جسيمات أخري مش ظاهرة في الصورة لأنها حالة خاصة مثل الهيجز والجراڤيتون.

ما علينا.

كدة نبقي وصلنا لنهاية القصة وملخصها كالأتي: أنا ، وإنت ، وهو ، وهي ، والترابيزة ، والكرسي ، والحيطة ، وكوكب الأرض ، والشمس والكون كله لسنا إلا محيط عميق من عدد كبير جداً من هذه الجسيمات طايرة يمين وشمال وبتتفاعل مع بعضها. أدي كل الحكاية ، سهله مش كدة؟ :-)

الخميس، 16 يوليو 2015

كيف تتعرف علي العلم الزائف


موضوعنا هنا هو إستكمال لموضوع "قائمة التخاريف العلمية العربية" ، وجزء مهم من القصة كلها شرحته في مقالي ‫"‫‫خواطر حول المنهجية العلمية"‫ موضحاً فيه كيف يتم البحث العلمي وكيف يصحح العلم بعضه البعض ‫، ثم مقالي عن كيفية التعامل مع العلم الزائف. وهناك أيضاً أكثر من محاولة علي الإنترنت تخاطب نفس الموضوع (أنظر أخر المقال) لكني أردت أن أدلو بدلوي فإستحملوني معلش.

وصلتني بعض التساؤلات حول قائمة التخاريف ومفادها كالأتي: إنت بتعرف إزاي الفرق بين العلم الحقيقي والعلم التخريفي أو الزائف؟ يعني مش يمكن يكون بعض هذه المواضيع التي أدرجتها في القائمة علم بجد وإكتشاف عبقري مغمور وإنت ظالمهم؟ 

الحقيقة إحتمالية إنه يمكن يكون بعض هذه المواضيع علم بجد وإكتشاف عبقري جديد لم يجود الزمان بمثله واردة ، ولكني أقدر أقطع بمنتهي الثقة إنها إحتمالية ضعيفة جداً جداً جداً ، وإن إحتمالية سقوط نيزك من المريخ علي دماغي دلوقتي وأنا بكتب الكلام ده أكبر بكتير جداً (ماحصلش على فكرة).

ليه؟

أقولك ليه. لأن العلم ياخواننا مابقاش زي زمان. في القرون الوسطي لما كانت العلوم في الغرب وفي الشرق لازالت في أولها كان ممكن واحد قاعد لوحده كدة ماهواش خريج جامعة ولا حاجة ولا عمره إتصل بعلماء أخرين ولا راح مؤتمر ولا نشر بحث ، كان ممكن يفكر ويتدبر ويعمل أبحاث ويصل لإكتشاف حقيقي. لأن أياميها العلم كان لسة في أوله وبإمكان أي واحد يدرس كل العلم إلي في الدنيا في سنوات معدودة لوحده بمجرد قراية ما كان متوفر من كتب قليلة ويضيف عليه كمان. وكان عادي جداً نسمع عن فلان الفلاني الكيميائي والمهندس والطبيب والفيلسوف والفلكي ويحمل كل هذه العلوم في دماغه في أن واحد! لكن بمرور الزمن وتوسع العلوم إبتدي يبقي مستحيل شخص واحد يلم بكل هذه العلوم مرة واحدة ، ولا حتي بواحد من هذه العلوم بكل تفاصيله. مافيش حاجة إسمها علشان أنا بتاع فيزيا يبقي عارف كل حاجة عن كل فروع الفيزيا. بالعكس أنا كتير جداً بتسئل أسئلة فيزيائية ماعرفش أجاوب عليها لأنها في فرع من الفيزياء مش تخصصي ، خلاص الدنيا إتغيرت (بس بقدر علي الأقل أعرف ألاقي الإجابة فين). وإبتدا العلماء في كل الحضارات يقسموا العلوم شُعَب وفروع ويضعوا أصول التقسيم في ذلك ، وشوية شوية نظام الجامعات المعروف النهاردة كبر وإنتشر وتفوق علي نظام الكتاتيب السابق له (الكُتَّاب هنا بمعني واحد قاعد تحت شجرة ومعاه عشرين تلاتين شاب بيعلمهم ، وده نظام معروف من أيام المصريين القدماء والإغريق ومش مرتبط بتحفيظ القرآن فقط كما هو سائد). وبمرور الوقت وبالتجربة والخطأ وضع العلماء أصول للبحث العلمي (مرة تانية كما شرحت هنا) نلتزم كلنا بها لا لشيء إلا لأنها أثبتت بمرور السنين والقرون أنها أفضل وسائل للبحث والإكتشاف.
ولذلك حين أري شُغل المفروض إنه علمي لكن خارج عن هذه المنظومة أعرف علي طول إنه في الأغلب تخريف ، من غير تفاصيل ومن غير حتي ما يكون الموضوع في صميم تخصصي. وناس تقولي مانت ماقريتش الموضوع بالكامل ، وماشفتش بعينك ، تعالي نوريك. مش محتاجة صدقوني ، وده مش أنا بس ، أي واحد بيشتغل في منظومة البحث العلمي يقدر يعمل كدة. أنا فاكر مثلاً الهجوم الرهيب إلي كان علي الدكتور عصام حجي لأنه إنتقد جهاز الكفتة الشهير فور الإعلان عنه ، وإزاي وإزاي ينتقد حاجة مش في تخصصه ، ده حتي ما كانش راح شافها أصلاً. الدكتور عصام طبعاً كان معاه حق ساعتها لأنه عالم مُطَّلع علي أصول المنهج العلمي وعارف إلي أنا بقوله ده. أنا برضه ساعتها قلت نفس الكلام علي صفحتي بالفيسبوك (هنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا) ، وكل إلي أعرفهم من الباحثين قالوا نفس الكلام ‫(‫‫مثلاً هنا)‫.
ماعلينا ده كان مجرد مثال ، نرجع لموضوعنا.

أدرج أسفله قائمة بالنقاط الأساسية إلي لو سيادتك شفت أياً منها أو بعضها أو كلها يتحقق في موضوع معين المفروض إنه إكتشاف علمي تعرف علي طول بدرجة ثقة عالية إنه تخريف ، وتزيد درجة الثقة مع زيادة عدد النقاط المتحققة في الموضوع. والقائمة للقاريء العادي وليست للمتخصص ، لأن المتخصص له بالإضافة إلي ما في هذه القائمة حاجات تانية بياخدها في الإعتبار زي علمه بأن البحث موضوع التساؤل يخالف مئة عام من التجارب المعملية مثلاً. 

ملحوظة هامة: القائمة ليست نهائية ، سأضيف عليها كل ما أفتكر حاجة ، ولو القاريء عنده إقتراح ياريت يقولي.

نقول إذاً أنه إذا تحقق الأتي كلياً أو جزئياً في أي خبر أو إكتشاف المفروض إنه علمي إعرف فوراً إنه تخريف:

  1. الإكتشاف تم إعلانه في مؤتمر صحفي أو في برنامج في التليڤزيون أو في الجرائد وذلك بدون أن يكون قد تم نشره في مجلة علمية خاضعة للتحكيم العلمي حيث تتم المراجعة والتفحيص والتمحيص من قبل علماء أخرين.
  2. الباحث نَشر إكتشافه في مجلة علمية بالفعل ، لكن بعد التقصي نكتشف أنها من نوع predatory journal ‫(‫مجلة إنتهازية‫)‫ أي مجلة تنشر أي شيء لأي أحد بدون تحكيم علمي سليم بهدف الربح (إفتح الرابط لتري قوائم بهذه المجلات) ، وهؤلاء كثيرين جداً والإنترنت بقت غابة. ملحوظة‫: هنا قائمة كبيرة بالمجلات العلمية الحقيقية المعتمدة‫.‫
  3. حجم الإدعاء لا يتفق مع الأدلة التي يقدمها الباحث. ربما تحتاج هذه النقطة لشيء من العلم بالموضوع من قبل القاريء ، لكن يمكن لغير المتخصص أحياناً تقييم ذلك.
  4. حجم الإدعاء لا يتفق مع سن الباحث ، يعني طالب ثانوي مستحيل يحطم النسبية إلي بتاخد عشر سنين علشان تتفهم بس ، إبتدا يبحث فيها إمتي ده؟ في الحضانة؟ والعبقرية دي ماظهرتش عليه قبل كدة؟
  5. الباحث عامل موقع علي الإنترنت بينشر أفكاره بدون أن يكون بالفعل قد نشر في مجلة أو حتي في مؤتمر. والموقع كله في الغالب تلاقيه مخصص للتمجيد في عظمة الباحث ومقدراته العلمية.
  6. الباحث بيشبه نفسه بإسم مشهور في العلوم زي "حنفي أينشتاين" أو "عباس نيوتن."
  7. الباحث مسمي نظريته بإسمه. العالم الحقيقي لا يفعل ذلك.
  8. الباحث يدعي أن دولاً أخري عرضوا عليه المال ليشتروا إكتشافه أو حاولوا إختطافه.
  9. الإدعاء أن النظريات المقبولة في العلوم مثل النسبية أو التطور هي مجرد "نظريات" غير مثبتة ، لأن ده يدل علي إنه مش فاهم كلمة "نظرية" يعني إيه ، وبيخلط بين كلمة "نظرية" وبين كلمة "فرضية."
  10. الإدعاء إنه مرشح لجايزة نوبل أو سيتم ترشيحه لها (دايماً بتبقى نوبل ، عمرهم ما بيختاروا إسم جايزة تانية).
  11. الإدعاء إن العلماء الحقيقيين عاملين رُبَّاطِيَة عليه علشان مايقطعش عيشهم بنظرياته العبقرية الفذة.
  12. يتحداك أن تُثْبِت إن كلامه غلط ولو ما عرفتش تثبت يبقي هو صح ، لأن العلم مش كدة ، هو إلي عليه مسئولية إنه يثبت إن كلامه صح ، البينة دائماً على من إدعى.
  13. دائماً يقول "أثبت فلان وأثبت علان" ويستدل بأسماء محددة كمراجع (يعني لا يستدل بأبحاث الناس ولكن يستدل بالناس نفسهم وهناك فرق) ، وأحياناً يقول "أثبت الغرب" بدون ما يقول مين. العلم مش ناس ، العلم منهج معين وله أصوله. مش علشان واحد قال كذا يبقي كلامه صح كدة من غير دليل ، حتي لو كان ستيفن هوكينج نفسه.
  14. لا يحمل الباحث شهادة في الموضوع إلي بيتكلم فيه ، هل ممكن ينتج عن واحد دارس أحياء مثلاً أو صيدلة نظرية سليمة في الفيزياء تقلب الدنيا وتغير مفاهيمنا؟ هو الحقيقة نظرياً ممكن لكن دي حاجة ماحصلتش من أيام إبن سينا. لاحظ إن النقطة ده مهمة جداً في العلوم الأساسية تحديداً لأن هذه العلوم لها تفاصيل ومعامل لا تتوفر إلا في الجامعات. الوضع يمكن مختلف في أمور أخري مثل الأدب والفن. مؤلف رواية تكسر الدنيا مش ضروري مثلاً يكون خريج كلية أداب. وفنان يغني أو يرسم مش ضروري يكون خريج معهد الموسيقي أو الفنون الجميلة.
  15. الباحث بيدعي إنه أستاذ في جامعة كذا في بلاد الواق الواق ، ولما تدعبس وراه وتفتح موقع الجامعة تلاقيه كداب ماهواش أستاذ فيها أو علاقته بالجامعة المذكورة علاقة هامشية‫.‫
  16. بيدعي إنه إكتشف نظرية علمية من دراسته لنصوص كتاب ديني مقدس بدون أي إثباتات علمية معملية أو رياضية ، مجرد بس من فهمه هو للنصوص. لاحظ إن هذا لا يقدح في الكتاب الديني المذكور ولكن النصوص الدينية ثابتة وقابلة للتأويل ، العلم مش كدة.
أدي القائمة إلي الأن.

بالرغم من كل ده ، يوجد أحياناً من وقت لأخر أشخاص من الصعب إثبات إنهم مخرفين ، أنا عن نفسي في الغالب بقدر أعرف إذا كان الشخص مخرف ولا لأ في أقل من خمس دقائق ، لكن يصح برضه أقولك إنه كان في القائمة واحد أو إتنين كانوا سابكين اللعبة كويس وأخدوا مني نص ساعة علشان أعرف دول بجد ولا إيه حكايتهم. فمش دايماً الدنيا سهلة وبسيطة. وبالعكس هناك من وقت لأخر شخص تنطبق عليه واحد أو إتنين من نقاط هذه القائمة ويطلع كلامه مش تخريف وفيه فعلاً شوية علم بجد أو حتي بدايات علم بجد ، لكن دي نادرة جداً وما شفتهاش بتحصل في حياتي إلا مرة واحدة بس.

أنهي كلامي معكم بقائمة ببعض المواضيع المشابهة التي قام بها أخرون ، كما أحب أوضح مرة تالتة إذا أراد القاريء أن يعرف تفاصيل أكثر عن المنهجية العلمية وكيف تتم الأبحاث في العلوم فلي مقال هنا يوضح هذه التفاصيل أنصح بقراءته. 

مقال هام‫: إزاي تبقي عالم كبير في تلاتين ثانية


مواضيع مشابهة للمزيد من الإطلاع:

  1. العلم المزيف
  2. Carl Sagan's baloney detection kit
  3. John Baez' Crackpot Index
  4. How to become a bad theoretical physicist
  5. Warren Siegel's quack page
  6. How to spot pseudoscience
  7. Skeptoid

الأربعاء، 15 يوليو 2015

هو إيه بقي النموذج القياسي للفيزياء إلي بيقولوا عليه ده؟

النموذج القياسي (أو المعياري) للفيزياء أو مايسمي بال
Standard Model
هو مجموعة كبيرة من النظريات الفيزيائية المتقاربة لبعضها البعض من حيث مكوناتها الرياضية والهدف منها تفسير طريقة عمل ثلاثة من القوي الطبيعية إلي بنشوفها حوالينا وهي كالتالي:

القوة الكهرومغناطيسية:
دي الوحيدة يمكن إلي رجل الشارع الغير متخصص ممكن يكون سمع عنها ، لأنه بيتعامل معاها كل يوم. أي لحظة تستخدم فيها جهاز كهربائي إنت بتتعامل مع القوة الكهرومغناطيسية. النظرية الأساسية التي تحكم عمل هذه القوة وضعها العالم الأسكتلندي الأشهر جيمس ماكسويل
في منتصف القرن التاسع عشر. الحقيقة ماكسويل ده حقه مهضوم في الشهرة. كلنا سمعنا عن أينشتين وعن نيوتن وإلي بيقروا شوية زيادة سمعوا عن هايزنبرج وپلانك مثلاً ، لكن قليل من غير المتخصصين سمع عن ماكسويل ، مع إننا ، إحنا بتوع الفيزيا ، بنعتبره من أعظم علماء الفيزياء في التاريخ جنباً إلي جنب مع أينشتين ونيوتن. يمكن مش مشهور علشان شغله كان فيه رياضيات تقيلة بتخلي حتي طالب العلوم ينام ويشخر في وسط المحاضرة ويطلع مش فاهم حاجة؟ يمكن. يا أخي ده أنا حتي لما بعمل جوجل لإسمه مابيطلعليش أول حاجة ، بيطلعلي بداله واحد مغني راپ أمريكاني!! حتي جوجل مش محترم ماكسويل.
ما علينا ، طيب ماكسويل ده عمل إيه؟ أولاً جمع كل المعادلات الرياضية إلي كانت موجودة قبله بتوصف الظواهر الكهربية (أيوة الكهربا إلي بتكهرب دي) والمغناطيسية (البتاع ده إلي بيشد المعادن) وحطها في صورة جديدة وصححها ونقحها وإستخرج منها مجموعة من المعادلات هي الأساس البحت لكل من الظاهرتين ، مثبتاً في ذلك تلات حاجات:
أولاً إن أي ظاهرة كهربية أو مغناطيسية تستطيع أن تستخرجها من هذه المجموعة الوحيدة من المعادلات ومش محتاج غيرها ، يعني زي ما بقول للطلبة بتوعي المعادلات دول جواهم التليڤزيون بتاع بيتكوا بس إنت مش واخد بالك.
ثانياً إن الكهربية والمغناطيسية وجهان لعملة واحدة ، وجود دي يسبب التانية والعكس. وده في حد ذاته إنجاز لأنه عمل توحيد مابين ظاهرتين كانوا قبليه منفصلتين تماماً.
ثالثاً أثبت نظرياً (وتم الإثبات معملياً لاحقاً بعد وفاته) أن الضوء نفسه (أيوة الضوء ، إلي بينور ده) ليس إلا موجات كهرومغناطيسية وفتح باب كبير للأبحاث التي تلته في مجالات دراسة الضوئيات وكانت سبب إختراع الراديو وغيره كتير.
يعني الراجل عمل شغل كبير جداً وخرجت من إيده نظرية كاملة لأحد أهم قوي الطبيعة. من غير النظرية دي كان زمان سيادتك لسة بتصحي الصبح تولع الشمعة أو لمبة الجاز. النظرية بتاعته إسمها
Maxwell's theory of Electrodynamics
ولما تحط معاها موضوع أخر إسمه ميكانيكا الكم تصبح
Quantum Electrodynamics
أو
QED
حنتكلم علي موضوع ميكانيكا الكم ده وأهميته تحت.

القوة النووية القوية:
أيوة إسمها كدة ، بالإنجليزي
Strong nuclear force
بس من سوء حظنا في اللغة إن "فورس" و"سترونج" كلمة واحدة في العربي. ما علينا. القوة دي سيادتك إنت مش بتتعامل معاها بصورة مباشرة ، لكن من غيرها ما كانش حيبقي ليك وجود أصلاً. لأن مجال عملها داخل نواة الذرة فقط ولا تخرج عنه بكثير. إحنا عارفين إن نواة الذرة جواها بروتونات ونيوترونات لازقين في بعض وما بينفصلوش. إتعلمنا كدة في ثانوي. بس إلي ما قالولهولناش هو لازقين في بعض إزاي؟ القوة إلي ماسكاهم في بعض هي دي القوة النووية القوية. والقوة دي مجال عملها قصير جداً ، يعني لو طلعت برة النواة وقبل ما توصل لأول إلكترون بيلف حوالين النواة تكون القوة دي ضعفت إلي الصفر تقريباً ولذلك ما إكتشافناهاش لغاية القرن العشرين لما التكنولوجيا سمحت لينا بالقياس جوة الذرة وجوة النواة. والقوة دي بتعمل علي مستوي أقل كمان من الپروتون والنيوترون. يمكن تكون سيادتك سمعت عن إن الپروتونات والنيوترونات جواها حاجات أصغر منها إسمها الكواركات
Quarks
الكواركات دي بقي هي إلي بتشد وتجذب مع بعض بإستخدام القوة النووية القوية ودي حاجة ما ظهرتش للتجارب بتاعتنا لغاية الستينيات من القرن العشرين.
أما النظرية الرياضية إلي مبني عليها أسس هذه القوة فهي نظرية إكتشفها عالمان إسمهم
Chen Yang
Robert Mills
في القرن العشرين ، وتعتبر نظرية يانج ميلز دي تعميم أكثر شمول من نظرية ماكسويل ، يعني هم شبه بعض رياضياً بس ممكن إعتبار نظرية ماكسويل حالة خاصة. وفيها أيضاً مجموعة من المعادلات تصف القوي النووية القوية في حالات معينة. في هذه الحالات تصبح نظرية يانج-ميلز ما نسميه ب
Chromodynamics
وهي ما يصف القوي النووية القوية بدقة. فاضل بقي زي ما عملنا في نظرية ماكسويل نحط ميكانيكا الكم ويبقي عندنا نظرية إسمها
Quantum chromodynamics
أو
QCD
ويبقي عندنا وصف تفصيلي جميل ودقيق إلي حد كبير لما يحدث داخل النواة بين هذه الكواركات. صحيح إن الكروموديناميكس دي أقل دقة من نظرية ماكسويل لكن قلة الدقة دي راجعة لأننا لسة بنشتغل فيها وفيه لسة أسئلة مفتوحة.

القوة النووية الضعيفة:
أنا عارف والله إنها أسماء مضحكة ، القوة النووية القوية والضعيفة ، لكن هي إسمها كدة حعملكوا إيه؟
Weak nuclear force
دي بقي قوة بتشتغل برضه داخل النواة ، وكما يبدو لينا كل فايدتها في الحياة إنها القوة إلي بتنظم ما نسميه بالإشعاع. إحنا عارفين إن بعض الذرات من وقت لأخر بتلفظ من جواها جسيمات ماشية بسرعة عالية ، دي المواد إلي بنسميها مشعة زي اليورانيوم مثلاً إلي بيستعمل في المفاعلات النووية والقنابل الذرية والراديوم إلي ليه تطبيقات طبية (أيوة بتاع مدام كوري ده) ، وكان السؤال هي الذرات دي بتلفظ هذه الإشعاعات ليه؟ القوتين الكهرومغناطيسية والنووية القوية المفروض يمسكوا في تلابيب الإشعاعات دي وما يسمحولهومش يطلعوا من الذرة. إلي أن إكتشفنا القوه النووية الضعيفة إلي كل شغلانتها إنها "تزق" الجسيمات دي برة النواة ومن هنا يولد الإشعاع. طيب هو الإشعاع ده لازمته إيه غير التطبيقات العسكرية والطبية بتاعته؟ أنا بقول إن لازمته إن من غيره ماكنتش سيادتك حتبقي موجود تقرا الكلام ده أصلاً ، لأن الإشعاعات دي هي المسئولة تاريخياً عن ما نسميه بالطفرات أو
mutations
وهو تغير التركيبة الذرية والجزيئية للمركبات الكيماوية التي ينتج عنها خواص جديدة للأحياء إلي بيحصل بينها نشوء وإرتقاء إلي بينتج عنه التطور إلي أنتج سيادتك وأنتجني. يعني من غير القوة النووية الضعيفة دي ما كانش حيبقي فيه حياة أصلاً.
عموماً مش قضية ، مش كل حاجة في الطبيعة لازم يكون ليها سبب أصلاً. المهم إن القوة دي هي ثالث قوة من قوي الطبيعة تشكل النموذج القياسي. المعادلات بتاعتها أيضاً مشتقة من معادلات يانج وميلز لكن تحت ظروف مختلفة. اللطيف في الموضوع إنه من حوالي أربعين سنة إكتشف ثلاثة علماء ، إثنان أمريكيان هم
Steven Weinberg
Sheldon Glashow
وواحد پاكستاني إسمه محمد عبد السلام ، إكتشفوا إن هناك طريقة لتوحيد القوة النووية الضعيفة مع نظرية ماكسويل وأصبح عندنا مجموعة من المعادلات توصف الظاهرتين مع بعض حتة واحدة ، ومن هنا ولدت نظرية إسمها
Electroweak model
نظرية الكهروضعيفة (سوري والله أنا أسف‫)‫ إلي بتجمع بين طياتها القوتين الكرومغناطيسية والنووية الضعيفة‫.‫

الثلاثة نظريات دول
Quantum electrodynamics
Quantum chromodynamics
Electroweak model (containing electrodyamics too)
هم إلي بنسميهم مع بعض كدة "النموذج القياسي أو المعياري للفيزياء" ، لأنهم كلهم علي بعضهم بيشتغلوا سوا لتفسير معظم ظواهر الكون. القوة الوحيدة إلي فاضلة مش موجودة في النموذج القياسي هي قوة الجاذبية ، ودي ليها نظرية منفصلة لوحدها إسمها ‫"‫النسبية العامة‫"‫ أو
General theory of relativity
بتاعة عمنا ألبرت أينشتاين. طيب هو إحنا ليه ما حطيناش نسبية أينشتاين مع النموذج القياسي؟ لأسباب مختلفة ، مثلاً هناك عوامل مشتركة بين النظريات الثلاثة ماهياش مشتركة مع نسبية أينشتاين ، منها وأهمها هو إن النظريات الثلاثة مبنيين علي معادلات متشابهة ومتقاربة من بعضهها ، معادلات ماكسويل ويانج ميلز ، لكن النسبية قائمة علي معادلات مختلفة تماماً ولها أصول رياضية منفصلة ، والسبب التاني إن النظريات الثلاثة يخضعون لقواعد ميكانيكا الكم كما أوضحنا لكن نسبية أينشتاين لا تخضع لقواعد ميكانيكا الكم لسة. ولأنها نظرية مختلفة تماماً عن التلاتة التانيين ماحدش لسة عارف يدخل فيها ميكانيكا الكم إلي اليوم. السبب التالت هو إن الجاذبية ضعيفة جداً مقارنةً بالتلاتة التانيين ، ولذلك أي تجارب بتتعمل علي الذرات ومحتواها بتهمل الجاذبية تماماً لأنها ضعيفة ومستحيل تقريباً قياسها علي مستوي صغير ، ولذلك النظريات التلاتة بتوع النموذج القياسي شغالين كويسة في الذرة وما تحتها والجاذبية ما بتقمش بأي دور ‫(‫‫علي حد معرفتنا)‫.

طيب يا عم فاضل حاجة واحدة مش واضحة ، هي إيه ميكانيكا الكم دي وليه مهمة يعني؟ عمال تحشرها في كل حاجة من أول المقال ومسببالكوا مشكلة مع قوة الجاذبية وبتاع‫.‫ ما طناش وخلاص وقشطة وكل حاجة وسيبكوا من ميكانيكا الكم ومش ضروري تحشروها في كل حاجة كدة.
شوف سيادتك ، ميكانيكا الكم هي المعادلات الميكانيكية التي تحكم تصرف أي جسم علي مستوي صغير جداً جداً ، يعني أنا وإنت عارفين إن ميكانيكا نيوتن بتاعة تالتة ثانوي بتحكم تصرفات الحاجات إلي بنشوفها في حياتنا اليومية زي العربيات في الشارع وصواريخ الفضاء والهندسة بأنواعها وكل حاجة بتحصل حواليك تقريباً ، لكن علي مستوي الذرة وأقل من ذلك معادلات نيوتن لا تعمل ونستعيض عنها بما يسمي بميكانيكا الكم. ونظراً لأن معادلات النموذج القياسي كلها بتحكم الذرة وما تحتها فميكانيكا الكم مهمة جداً وإلا مش حنعرف نعمل حاجة. ولذلك بدون ميكانيكا الكم لا يوجد النموذج القياسي. أدي كل الحكاية.

بس يا سيدي أدي ملخص سريع جداً للنموذج القياسي أو المعياري ‫"‫الستاندارد موديل.‫"‫ فاضل بقي تعرف إن هذا النموذج هو الأساس العلمي لكل ما تسمع عنه من أخبار جاية من مصادم الهادرونات مثلاً ، والإكتشافات إلي بتسمع عنها زي إكتشاف الهيجز أو الكوارك الخماسي كلها من معادلات النموذج القياسي.
يعني النموذج القياسي بيشكل ثلاثة أرباع (من غير الجاذبية) فهمنا للظواهر الكونية ، ده بالإضافة إلي إنه من غيره ماكانش حيبقي عندك حاجات زي الليزر أو الترانزستور أو الإلكترونيات الحديثة ولا حتي كان حيبقي عندك حاجة زي الإنترنت (قصة طويلة). يعني ماتجيش تقولي هو الكلام ده فايدته إيه أصلاً أحسن أنا زهقت من السؤال ده ‫:-‫)‫

 ودمتم 

إقرأ الجزء الثاني هنا
 
 
 

 

الثلاثاء، 14 يوليو 2015

عمو ‫، عمو ‫، إيه حكاية پلوتو دي يا عمو‫؟

تصل اليوم 14 يوليو 2015 إلي الكوكب القزم پلوتو المركبة الفضائية ‫"‫نيو هورايزونس‫"‫ أو ‫"‫أفاق جديدة‫"‫ التي أرسلتها ناسا عام 2006 بهدف الإقتراب من ودراسة ما يسمي بحزام ‫"‫كايپر‫.‫"‫‫
 
طيب إيه الحكاية دي يا عم‫؟ عامل إنت فرح علي پروفايلك في الفيسبوك وعمال تعد الأيام ‫، وباقي من الزمن معرفش كام‫ ‫، وحقابله بكرة.‫ وتعالالي يا پلوتو ‫، وناقص تنصب سرادق وتجيب رقاصة.‫ إيه الأهمية يعني‫؟ ما ‫"‫ناسا‫"‫ بتبعت مركبات كتير بنسمع عنها ‫، إشمعني دي إلي مهمة يعني‫؟
 
كلهم مهمين ‫، أنا عامل فرح بالفعل وبعمل نفس الفرح في المواقف إلي في رأيي تعتبر علامات هامة في تاريخ الإنسانية كلها.‫

طب إيه حكاية پلوتو ده وإيه حزام المش عارف إيه ده إلي بتقول عليه ‫(‫تتنطق إزاي البتاعة دي أصلاً‫)‫

پلوتو ده ‫، دوناً عن باقي أجسام المجموعة الشمسية بتاعتنا ‫، ليه قصة مهمة في تاريخ فهمنا لتطور المجموعة الشمسية‫.‫ تم إكتشافه بالصدفة سنة 1930 ‫وأعتبر أياميها الكوكب التاسع في المجموعة الشمسية ‫، ودي تصنيفة إتغيرت سنة 2006 وأصبح پلوتو كوكب قزم‫.‫ بس پلوتو مش زيه زي باقي الكواكب ‫، كان واضح من الأول إن فيه حاجة غريبة‫.‫
ليه‫؟ أقولك ليه‫‫.‫
بص يا عم الحاج‫: نقدر نقسم كواكب المجموعة الشمسية لنوعين ‫، النوع الأول هو الكواكب الداخلية ‫: عطارد ‫، الزهرة ‫، الأرض والمريخ ‫، ودول كلهم كواكب صغننة ومصنوعة من الأحجار والمعادن‫ ‫، يعني كواكب صلبة ‫(‫‫خبط كدة برجلك علي الأرض إلي إنت واقف عليها)‫.‫ النوع التاني هو الكواكب الخارجية‫: المشتري ‫، زحل ‫، أورانوس ونپتون ‫، وكلهم كواكب عملاقة الحجم مصنوع في أغلبها من الغازات ‫، يعني الأربعة دول كأنهم بالونات غاز في الفراغ‫ وممكن مايكونش ليهم سطح صلب يتوقف عليه أساساً.‫
وحكاية إن الأربعة دول من حجارة و الأربعة دول من غاز وإن دول صغيرين ودول كبار ‫، كل ده مش صدفة ‫، فهمنا للعوامل إلي كونت المجموعة الشمسية بيوضح ليه الكواكب الداخلية بتكون صغيرة وحجرية والخارجية بتكون عملاقة وغازية ‫(‫يعني من الغاز ‫، مش ‫"‫الغازية‫"‫ إلي بترقص‫)‫‫.‫ ودي قصة طويلة مش مكانها هنا‫.‫
طيب يعني إحنا فاهمين الدنيا بقي علي كدة وعارفين الكواكب عاملة كدة ليه‫؟
أه ‫عارفين ، إلا پلوتو‫ ‫، پلوتو عمل أزمة في الصورة دي.‫ لأن پلوتو جسم صغير صلب ‫، يعني المفروض يكون جوة المجموعة الشمسية معانا هنا مش بره مع الكواكب العملاقة‫.‫
يعني پلوتو بوظ الدنيا وخرج عن النظام‫.‫ طبقاً للفهم الأصلي مش مفروض يكون ليه وجود أصلاً‫.‫
ده مش بس كدة ‫، ده إكتشفوا كمان إن پلوتو طلع مش لوحده ‫، ده طلع فيه عدد مئات الألوف من الأجسام مع پلوتو كلها في الأغلب تكوينها زي پلوتو لكن أصغر‫.‫ المجموعة الضخمة دي هي إلي إسمها ‫"‫حزام كايپر‫"‫ ‫(‫إسم العالم إلي إفترض وجودها قبل ما يلاقوها‫)‫ ‫، كميات كبيرة جداً من ‫"‫الپلوتوهات‫"‫ إلي أصغر من پلوتو بتاعنا كمان‫.‫ يعني پلوتو مجرد نقطة في بحر وأهميته عندنا في تاريخ البشرية إنه كان أول واحد من أجسام حزام كايپر يتم إكتشافه ‫، لولا كدة كان حيبقي مجرد نقطة من مئات الألوف‫.‫
الفكر السائد دلوقتي إن عوامل معينة في بدايات المجموعة الشمسية أدت إلي أن مجموعة الأحجار المسماه بحزام كايپر كان المفروض إنها تتكون مع بعض وتعمل كوكب كبير ولكن لم يحدث‫.‫ ولذلك دراسة الحزام ده عن قرب حتدينا فهم أعمق بكثير لكيف تكونت المجموعة الشمسية بتاعتنا‫.‫

كل ده ملخص لأهمية زيارة نيو هورايزونس وأنصح الجميع بمتابعة الرحلة علي موقعها الرسمي‫:

http://pluto.jhuapl.edu/

ولكن بالنسبالي أنا كمان ‫، بالإضافة إلي أهمية أهداف الرحلة ‫، هناك كمان السبق التكنولوجي الرهيب في هذه الرحلات ‫، إنت متخيل كم العلم والرياضيات والهندسة والكمپيوتر ساينس إلي دخلت في تصميم وتنفيذ رحلة نيو هورايزونس وكل رحلات ناسا‫؟ متخيل‫؟
إنت متخيل إن مركبات ناسا الفضائية ماهياش زي سفن الفضاء إلي في الأفلام ‫، يعني مش حتتك علي زرار توجها في أي إتجاه إنت عاوزه ‫كأنك بتلعب پلاي ستيشن ، المركبات دي بتترمي رمياً في الفضاء وتمشي لوحدها متأثرة فقط بمجالات الجاذبية للأجسام التي تقترب منها ‫(‫محسوبة مقدماً‫)‫ ‫، لتعبر مليارات ‫(‫أيوة أنا أقصد مليارات‫)‫ من الكيلومترات وتصل إلي نقطه ضئيلة‫ علي أطراف مجموعتنا الشمسية؟ عامل كدة زي لما سيادتك تحدف زلطة من فوق سطوح العمارة بتاعتكوا وتخبط بيها إبرة علي مكتب في شقة جوة عمارة في الصين‫.‫ يعني لو الحسابات مش مظبوطة من لحظة إطلاق المركبة وهي لسة علي سطح الأرض حتتوه وعمرك ما تعرف ترجعها تاني ‫(‫‫المركبة فيها جهاز تصحيح مسار لكن صغير جداً ويستخدم فقط في أحلك الظروف)‫.‫ متخيل‫؟
مش متخيل‫؟
لأ تخيل وتعالالي‫.‫ تخيل إن المركبة ‫(‫إلي حجمها أكبر حاجة بسيطة من حجم دولاب هدومك‫ إلي في أودة نومك)‫ علي متنها جهاز كمپيوتر ومقدرات ميكانيكية لإصلاح نفسه في حالة حدوث عطل‫.‫
تخيل إن مع المركبة جهاز إسمه ‫"‫داست كاونتر‫"‫ أو ‫"‫عداد التراب‫"‫ الهدف منه جمع معلومات عن الأتربة في الفضاء الخارجي ‫، وتخيل سيادتك إن الأهم من كل ده إن إلي صمم وبني هذا الجهاز هم طلبة جامعة كولورادو في أمريكا‫؟ طلبة!‏ ط ل ب ة!‏!‏!‏!‏ يادوب 19 أو 20 سنة ‫(‫وماحطموش النسبية لسة‫)‫!‏!‏
كل ده غير الأجهزة التحليلة وأجهزة الإتصالات وخلافه‫.‫

لأ الموضوع كبير يا ريس ‫، كبير كبير مش هزار ‫، العلم والتقدم البحثي المرتبط بالرحلة دي والرحلات إلي زيها علي مستوي عالي جداً جداً ومهم جداً‫ ‫، ويعتبر من أعظم إنجازات الحضارة الإنسانية علي الإطلاق‫.‫

واحد ممكن يقولي ‫(‫الأستاذ إلي رافع إيده في الأخر ده إتفضل‫)‫‫: ‫"‫إيه يعني الفايدة إلي حتعود علينا في حياتنا اليومية‫؟ تعاظيم سلام يا علم ويا تكنولوجيا بس أنا حاخد إيه في إيدي في الأخر وأنا مروح‫.‫ فين الفكة يعني‫؟‫"‫
شوف سيادتك‫.‫ النهاردة أكيد مش حتاخد حاجة ‫، غير يمكن بس إنك ممكن تكون إتعلمتلك كلمتين حلوين ‫، لكن زي ما كان العالم الإنجليزي الكبير مايكل فاراداي بيقول ‫"‫ما هي فائدة الطفل حديث الولادة‫؟‫"‫ يقصد يعني إن أي إكتشاف في أوله مش ضروري يكون ليه فائدة عملية فورية ‫، في الأول بيكون إتعمل بس علشان العلماء عندهم فضول ‫، لكن ما تفتكرش أبداً يا عزيزي القاريء إن الحاجات دي مالهاش أهمية عملية ‫، ماهو يعني الحكومات مش عبيطة وهبلة علشان تصرف مليارات ‫(‫أيوة أقصد مليارات‫)‫ من الدولارات علي الحاجات إلي زي دي بس لمجرد إن فيه شوية علماء نفسهم فيها‫.‫ لأ يعني سيادتك‫.‫ الحكومات تعلم جيداً إن تقدم العلوم الأساسية يرتبط معه دائماً التقدم في التكنولوجيا وإن التكنولوجيا سينتج عنها تطبيقات إن أجلاً أو عاجلاً‫.‫ الأمثله كتيرة بس أنا مش حقولها ‫، إعتبر ده الواجب بتاعك بعد المحاضرة دي‫:
إجمع قائمة بالأبحاث العلمية إلي كان شكلها في الأول لا فائدة منه ولكنها أدت إلي تطبيقات عملية كثيرة وكبيرة ومهمة في الطب والهندسة والإتصالات وكل حاجة في الدنيا‫ ولا يمكن نتخيل دلوقتي حياتنا من غيرها‫.‫

عيش يا ريس وماتنساش أعمال السنة




‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_
مع جزيل الشكر لصديقي العزيز المهندس فادي رمزي رئيس تحرير مجلة مصري الإلكترونية ‫علي إقتراحه فكرة المقال ‫، وقد تفضل سيادته بنشر المقال في المجلة‫.‫


_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_
لمزيد من التفاصيل أنصح بهذا المقال
رحلة إلي أبعد كوكب

مصادر من ناسا‫:
 http://pluto.jhuapl.edu/

http://pluto.jhuapl.edu/Mission/The-Flyby.php
http://pluto.jhuapl.edu/Mission/Where-is-New-Horizons/index.php


Pluto (@PlutoRL) / Twitter

الجمعة، 10 يوليو 2015

من مذكرات إعتصام يوليو‫: موقعة العباسية ‫، 23 يوليو 2011 ‫‫، شهادة عيان

وصلت ميدان التحرير الساعة الرابعة وأربعون دقيقة تقريباً. ما أن عبرت نقطة تفتيش قصر النيل وحييت شباب النقطة بتحيتي المعتادة "ربنا يقويكوا" حتي سمعت منادياً ينادي:
المسيرة بدأت
المسيرة بدأت
جريت إلي حيث الجموع:  نقطة تفتيش ميدان عبد المنعم رياض بجوار المتحف المصري. قطعت ميدان التحرير كله جرياً خوفاً من أن يرحلوا بدوني. إنضممت إلي المسيرة من أخرها. رفعت رأسي فوق الجموع لأري أنه لا نهاية لها. ألاف الرؤوس وألاف الأيدي ترفع علامات النصر ورايات الوطن.
تحركت المسيرة تجاه شارع رمسيس.



الهتافات تدوي ، وظلت تدوي طوال الوقت:
"عيش ، حرية ، عدالة إجتماعية"
"الشعب يريد محاكمة الطاغية"
"يسقط يسقط حكم العسكر .. إحنا الشعب الخط الأحمر"
" كلمة واحدة وغيرها مفيش .. السياسة مش للجيش"
"حرية ، حرية ، حرية"
وغيرها من المطالب. وعند مرورنا علي جموع المتفرجين من النوافذ والشرفات وكباري المشاه كنا نزأر
"إنزل ، إنزل"
"إيه يا مصري ساكت ليه؟ خدت حقك ولا إيه" ، ونشير لهم بأيدينا لينضموا لنا.
ولاحظت فعلاً إزدياد الجموع تدريجياً. لست أدري كم كان عددنا ، ولكني لم أري نهاية أوبداية للمسيرة. من هم؟ من كانوا؟ شباباً ، رجالاً ، فتيات ، سيدات. إخطلطت فصائل الشعب كله في المسيرة. كنت أري أبناء إمبابة وبولاق كتفاً بكتف مع من يبدو عليهم سمات نادي الجزيرة والمعادي. لم أستطيع أن أفرق بين مسلماً أو مسيحياً أو بهائياً أو ملحداً. وجوه مصرية صميمة نراها كل يوم في كل شارع في مصر ، ورأيناها في صور وتماثيل عمرها ألاف السنين. هؤلاء هم. كانوا ومازالوا وسيكونوا أبدا.



إتصلت بي في الطريق الصديقة "ن" ثم إنضمت لنا عند محطة مترو الإسعاف وظللنا سوياً حتي النهاية. إستمرت المسيرة لا تهدأ ولا تكل ، تتغير الوجوه المحمولة علي الأعناق وتختلف الهتافات ولكن لا تتغير المطالب ولا تقل الحماسة.

نهاية شارع رمسيس ، غمرة ، وأخيراً ... العباسية !‏!‏

دارت المسيرة يميناً أمام  مسجد النور العملاق ، علي يسارنا مستشفي كلية طب عين شمس وعلي يميننا مبان سكنية. الهدف: التظاهر السلمي أمام مبني وزارة الدفاع مقر المجلس الأعلي للقوات المسلحة ، وقيل أيضاً أننا سنمر أمامهم فقط ثم نعود إلي ميدان التحرير. المهم أن الأهداف كانت سلمية واضحة ، تنفيذاً لحقنا في التظاهر السلمي ، هذا الحق الذي أكده المجلس أكثر من مرة.



رأيتهم بعد الدوران. صف عريض من السيارات المدرعة تحمل جنوداً من المشاه ، يحيط بهم الشرطة العسكرية بقبعاتهم الحمراء المميزة ، وبيننا وبينهم سلوكاً شائكة تسد الطريق تماماً وتمنع الإقتراب من الجنود. علي اليسار سور مسجد النور العالي ، وعلي اليمين شارعاً ضيقاً بين بنائين ، أحدهما خلف متاريس الجيش لاحظت وجود بعض الأشخاص علي سطحه. خلفنا بوابة المستشفي المغلقة. المدافع الرشاشة فوق المدرعات موجهة تجاهنا ، يجلس خلفها وجوهاً لا تستطيع أن تفرق بينها وبين الوجوه في المسيرة. شباب مصريين أيضاً ولا فرق بيننا وبينهم إلا ما يرتدونه من زي عسكري. ضباط الجيش والشرطة العسكرية يقفون وسط الجنود ينظرون إلينا في صمت ، وطوال ما تلي ذلك من أحداث لم يتغير مشهد القوات المسلحة. نفس الأوضاع ونفس النظرات. لازلت لاأصدق أنهم لم يتحرك لهم ساكن في ماتلي مما لا يمكن أن يسمي إلا مذبحة أو شروع في مذبحة.
 

Al-Nour Mosque (Cairo) - Wikipedia



توقفنا طبعاً.
تغيرت الهتافات قليلاً
" يا أهالي العباسية.. المسيرة دي سلمية"
" ارجع ارجع على ثكناتك"
"يسقط يسقط حكم العسكر"
"هنفكه هنحله هنشيل المجلس كله"
"يانجيب حقهم ، يا نموت زيهم"
وجلس البعض علي الأرض.
نظرت إلي الشارع الجانبي الضيق. هل تدخل المسيرة فيه؟ هل نتوقف هنا؟ هل يتركوننا نهتف حتي نمل ثم نرحل؟ هل نعود أدراجنا من حيث جئنا؟

مع أذان المغرب بدأ البعض يدخلون إلي مسجد النور للصلاة. دقائق ورأيت بعيني صفاً من جنود الجيش داخل سور المسجد يجرون ليسدوا بأجسادهم السور بكامله. أغلقت بوابة المسجد فلم يعد لمن بالداخل أي طريق للخارج والعكس أيضاً ، وأضطر من تبقي منا لإفتراش الأرض والصلاة جماعة في الشارع أمام المسجد بإمامة شيخاً أزهرياً كان معنا من التحرير ، يحيط بهم دائرة من الثوار تشابكت أيديهم لحمايتهم. تسارعت الأفكار في رأسي متساءلة عن سبب إغلاق المسجد ، ولكن لم تستمر حيرتي طويلاً.



لست أذكر أيهما بدأ أولاً: فرقعات نارية عالية تأتي من الشارع الضيق علي اليمين ، أو وابل من الحجارة ينهال علينا من نفس الشارع ومن أسطح البناء السكني خلف متاريس الجيش. أذكر أن أول ما جاء في ذهني وأنا أري هذا الكم من الحجارة الطائرة هو "مجانيق؟ رأيت هذا في الأفلام". وبدأت الجموع تجري إلي الخلف ، وكان من الواضح أن من لم يجري سوف تدهسه الأقدام ، ولعل هذا أخطر من الحجارة نفسها. أمسكت بيد "ن" وجريت معهم. وصلنا إلي مبني صغير مكون من حجرة واحدة بيننا وبين المستشفي لا أظنه إلا كشك مراجعة تصريحات الدخول. وقفنا خلف المبني والجموع تهرول حولنا ودوي الطلقات أعلي من أصوات إرتطام الحجارة بالناس أو بالأرض.

بعد المفاجأة الأولي بدأنا في التحرك ، أول ما رأيت كان جموعاً مننا ينقضون علي بوابة المستشفي. لست أدري إن كانت هجمتهم هذه سبباً في كسر القفل أم أن شخصاً في الداخل أخذته الرأفة بنا ففتحه. ولكنه في النهاية فُتح. ومن هذه اللحظة أصبح مدخل المستشفي ملاذاً للجرحي وبعض الثوار للراحة القليلة قبل العودة إلي المعركة. وأي معركة كانت.

تركت "ن" داخل سور المستشفي وخرجت لأري ماذا يحدث. نظرت إلي الشارع الجانبي ، لازالت الحجارة تنهال منه ومن أسطح البناء ، فنظرت إلي الطريق الرئيسي من حيث أتينا لأري علي بعد صفوفاً من البشر ، التراب الناتج عن حركتهم كان كثيفاً فلم أدرك في باديء الأمر من هم. إقتربت قليلاً لأري خوذهم ودروعهم تلمع في إضاءة الشارع: قوات أمن مركزي تسد الطريق الذي جئنا منه تماماً. علي يساري شارعاً ضيق أخر بدأت فوراً منه هجمات لم أري مصدرها. حجارة وأصوات طلقات نارية بكثافة عالية. وفوقنا رأيت طائرة هليكوپتر تابعة للجيش تحوم علي إرتفاع منخفض ، وظلت هكذا طوال الوقت.

تحرك الثوار!‏ بدأنا في تحطيم بلاط الأرصفة للرد عليهم والدفاع عن أنفسنا. شيئاً فشيئاً إنتظمت الصفوف. البعض يحطم الأرصفة ويجمع الحجارة في ما تيسر من سلات مهملات بلاستيك. أغلب من كانوا يفعلون هذا كن من النساء ، وشاركهم في هذا رفيقتي "ن". ينقل البعض الأخر هذه السلات إلي الصفوف الأمامية من الشباب. الحجارة تنهال منهم ومننا. من وقت لأخر نفر إلي الوراء تحت وطأة الضرب ، ثم نكر إلي الأمام بصيحات نصر عالية هزت أرجاء العباسية. بعضنا من أشجع من رأيت في حياتي كانوا يقتحمون هذه الشوارع الجانبية ويعودون محمولين علي الأكتاف ، تسيل دمائهم الذكية الغالية.


من وقت لأخر تهدأ الهجمات علينا. وألاحظ بدء تحرك صف كوردون الأمن المركزي تجاهنا ، حثيثاً ، بطيئاً ، مضيقاً الخناق ، مغلقاً الكماشة. ومن الناحية الأخري يستمر مشهد متاريس الجيش كما هو. لا يرمش لهم جفن ولا يتحرك لهم ساكن. أري من خلفهم بعض الناس علي الكوبري العلوي يجرون ويتشاحنون معاً. لست أدري من هم. وفوقنا تدور الهليكوپتر ذاهبة وغادية كمن يرصد موقعة حربية.
في لحظات الهدوء القليلة يستمر الثوار في إعداد سلاح الحجارة ، حتي كادت الأرصفة أن تخلو منها تماماً. سيارتان للإسعاف عبرتا كوردون الأمن وتوقفتا في منتصف الميدان لعلاج الجرحي ، ولكن هيهات ، أعداد المصابين كانت غزيرة. بعضهم نقل إلي داخل المستشفي ذاتها ، والبعض الأخر إلي أماكن أخري لا نعرفها.
إتصل بي أحد الأصدقاء الأعزاء ، أحد أبطال 25 و 28 يناير ، الثائر "ش" ، وأخبرني أنه في الطريق إلينا. بعدها بدقائق وصل "ش" ممسكاً بجنبه. علمت منه أنه أضطر أن يسلك الشوارع الجانبية حتي يصل إلينا وإستطاع أن يعبر جموع البلطجية حيث أخذ ضربة حجر في جنبه. ومن هذه اللحظة لم يتواني "ش" في أن يكون بين الصفوف الأولي ، أراه من وقت لأخر بجرح جديد وإصابة جديدة.
ويبدأ الهجوم ثانية. لفت نظري إمرأة وقفت علي باب المستشفي ومعها طفلاً لا يتعدي عمره الخمس سنوات تصرخ محمسة للجموع:
"الستات والجرحي بس جوة بوابة المستشفي ، يا رجالة إطلعوا حاربوا بلطجية الطواغيت. إيه؟ مافيش رجالة؟ عايزين تستخبوا؟ مصر مابقاش فيها رجالة؟"
كان لهذه المرأة وحماستها أكبر تأثير علي الجموع. وأكاد أجزم أنه لولا صرخاتها المتكررة لكانت النتيجة مختلفة تماماً. رأيت إمرأة أخري تخاطب الطفل قائلة "أمك دي بطلة‏"!
ذهبت إلي الصفوف الأمامية مرة أخري. أعتقد علي ما أذكر أن هذه كانت اللحظة التي إصطدمت بي فيها أحد الحجارة. شعرت بألم كبير في ذراعي الأيسر نتيجته كانت شبه شلل مؤقت لفترة حوالي عشرة دقائق إستندت فيها علي سور علي يميني كنت أظنه سوراً للمستشفي ، ولكن رأيت في ما يلي أنه سور لحديقة عامة. لها بوابة في ناحيتنا ولكنها مغلقة.


بدأت الهجمات في التصعيد ، ولأول مرة في حياتي أري بعيني رأسي نيراناً طائرة من كل حدب وصوب ، علق أحد القريبين مني قائلاً بمنتهي الهدوء ، هدوء المعتاد علي ذلك: "مولوتوف"!‏
كانت مصادر هذه النيران الطائرة في البداية مصدران: الشارعان الجانبيان اللائي أشرت إليهما سابقاً ، وأيضاً من خلف كوردون الأمن المركزي. بل أني رأيت بنفسي أشخاص بثياب مدنية يعبرون الحاجز الأمني ليلقوها علينا ثم يعودون خلف الأمن ، وينفتح لهم الحاجز ويغلق. بعد قليل بدأت النيران الطائرة تلقي علينا بغزارة من وراء سور الحديقة علي يميننا ، فتحرك الثوار فوراً تجاه بوابة الحديقة. في أقل من دقيقة كانت البوابة ملقاة علي الأرض وجموع مننا تنطلق إلي الداخل باحثة عن من يلقي المولوتوف. في ما تلي ذلك علمت أن هذه المنطقة تم تأمينها ولم نري منها نيراناً طائرة بعد هذه اللحظة. ورأيت أيضاً في هذا الوقت تجمعاً من الثوار في وسط الميدان وعلمت أنهم نجحوا في القبض علي أحد البلطجية ، دخلت في وسطهم ورأيته بعيني. حاول البعض ضربه وحامي عنه البعض الأخر. ثم أخذوه إلي الخطوط الخلفية بجوار المسجد ولا أعلم ماذا حدث له بعد ذلك.
إستمرت المعركة ، رأيت البلطجية يخرجون ويدخلون من الشوارع الجانبية ومن خلف الكوردون الأمني ، ورأيت ما يلمع في أيديهم من أسلحة بيضاء ومالا يمكن أن يكون أقل من سيوف و"سنج". وكان بعضهم أيضاً يحمل في يده إطارات سيارات بغرض إشعالها وإلقاءها علينا في ما يبدو. إشتعلت أحد السيارات المتوقفة في الشارع من تأثير قنابل المولوتوف. ويشهد الله أني لم أري أي نيران طائرة تنطلق من الثوار ، فلم يكن لدينا إلا حجارة الأرصفة. ولم تتوقف الطلقات أيضاً ، ولكننا كنا إعتدنا علي صوتها المدوي فلم تعد تقلقنا. من وقت لأخر كانت أصوات إنفجارات عالية مجهولة المصدر تأتي من الشوارع الجانبية. كل هذا والجيش والأمن لا يفعلان شيئاً إلا تأمين المخارج حتي لا نستطيع الهروب. ولكني أجزم أننا لم نكن نريد الهرب ، فقد كان من السهل أن نعبر المستشفي إلي الناحية الأخري أو حتي نحتمي بها. بل ان أبواب المسجد كانت قد فتحت قبل صلاة العشاء وكان من الممكن أيضاً الإحتماء بها. ولكن أغلبنا لم يستعمل المسجد إلا للراحة المؤقتة أو شرب الماء. قبل ذلك ، أثناء إغلاق المسجد ، كان البعض ممن في الداخل يملأون زجاجات الماء ويمررونها عبر السور إلي نساء الثوار اللائي كن يدورون علينا ليشرب الجرحي أولاً ثم يشرب من يريد.

نساء الثورة!‏ لم أر في حياتي أشجع من هؤلاء. القليل منهن من كان في الصفوف الأمامية ولكن بطولات من بقين في الخلف لتوزيع الماء والعناية بالجرحي وشحذ همة الثوار لا توصف!‏ فتيات نادي الجزيرة إختلطن بالمنقبات ونساء المناطق الشعبية البواسل ، كلهن في حركة واحدة دؤوب. وكانت لبعضهن أيضاً أدواراً قيادية مثل السيدة نوارة نجم وفتاة أخري ضئيلة الحجم كان رجال الثورة يطلبون مشورتها بمنتهي الإحترام منادينها بإسم "رشا". ورأيت أيضاً السيدة بثينة كامل ، المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية ، في وسط جموع الثوار.

عدت إلي الصفوف الأمامية ، وإستمرت الأحداث كما هي حتي فوجئت بما لم أكن أتوقعه. دموع تسيل من عيني ونيران تحرق جوفي. دخان كثيف يتوالي علينا من صفوف الأمن المركزي.

الغازات المسيلة للدموع!‏ مشاركة الأمن المركزي "الرسمية" الوحيدة!

تراجعنا تحت وطئة الضرب. إنطلقت مع البعض داخلين الحديقة التي حُطم بابها بحثاً عن بلطجية المولوتوف سابقاً. جريت إلي الداخل بضع خطوات وأنا لا اكاد أري شيئاً. عندما هدأت عيناي وجوفي فكرت في العودة ولكن دخان الغازات منعنا من سلوك طريق البوابة. فجريت مع أخرين إلي نهاية الحديقة التي يفصل بينها وبين المستشفي سوراً معدنياً. البعض إستطاع أن يقفز فوق السور ولكن كان من الواضح أن الأخرين لن يستطيعوا ذلك ، خاصة إمرأة متقدمة في السن كانت معنا. إجتمعنا حول السور وإجتمع بعض الثوار من الناحية الأخري. بعد عدة محاولات إستطعنا لّي جزء من السور إلي ناحية المستشفي ثم عبرنا منه وإنطلقنا عائدين إلي الميدان. ولكن أحدنا أوقفنا قائلاً "يا شباب لازم نصلح السور زي ماكان ، إحنا مش هنا عشان نخرب ، كفاية الرصيف إلي كسرناه". وكانت لحظة من أعجب وأروع ما رأيت في حياتي!‏ تحت وطئة الضرب ونحن لا نعلم ماذا ينتظرنا عدنا لنصلح السور وأخذنا به حتي أرجعناه كما كان!‏



عدت إلي الميدان وتوجهت إلي مسجد النور باحثاً عن مياه ألطف بها تاثير الغاز. عند خروجي من المسجد إستوقفتني مشاجرة بين أحد شباب الثورة وبين شاب أخر مصري ملتحي يرتدي الغُطرة السعودية وجلباباً ناصع البياض تشير نظافته أنه ليس من المشاركين في الموقعة. عرفت عند السؤال أن الشاب الملتحي أراد أن يمنع أحد النسوة من الإحتماء بالمسجد بحجة أنها غير محجبة فتدخل الشباب صارخين فيه "ولو عريانة ، أو مش مسلمة أصلاً ، حتدخل بيت ربنا ، إحنا بنموت برة ، إحنا بنمووووت ، روح ، روح إحلق دقنك دي مالهاش أي لازمة".

عدت إلي الشارع ولحقت برفيقي "ن" و"ش". بدأت الأمور في الهدوء بعض الشيء ، وكان من الواضح أن هجمات البلطجية والأمن فشلت في فض التظاهر ، بل أنها فشلت في إخماد جذوة الغضب فينا. في لحظات الهدوء كان إمام مسجد النور يتحدث في ميكروفون المسجد مناشداً الناس ضبط النفس قائلاً "حسبنا الله ونعم الوكيل في من جعل شعب مصر يضرب بعضه البعض" ولكن صوته كان يخبو أكثر مما يُسمع فلم أفهم الكثير مما قاله ، وإعترض البعض علي كلامه السابق قائلين "مش الشعب إلي بيضرب بعضه ، كفاية بقي ، يا متاجرين بالدين". وعلمت من "ن" أنها سمعته في ما لحق يقول "اللهم ثبت اقدام الثوار واحمى الثوار" و "على الجيش ان يحمى المتظاهرين السلميين". ثم أعلن عند فتح المسجد: "المسجد مفتوح للكل وعلى الجيش ان يخرج بره المسجد".
مشينا وسط الثوار. في لحظة ما توقف رفيقَي للحديث مع البعض. نظرت حولي فوجدت شاباً في مقتبل العمر ينظر إلي. لست أدري لماذا إختارني أنا تحديداً ليخبرني بقصته. حدثني عن 25 و 28 يناير ، ثم أراني أثار جرح غائر في ذراعه اليمني وحدثني عن عملية في بطنه. نظرت في عينيه وشعرت بأعين كل أبطال وشهداء يناير تنظر إلي متفحصة ، ولم أدري بنفسي إلا وأنا أعانقه ، إحتضني بحب وحنان وربت علي ظهري كما لو كنت أخاً عاد إليه بعد طول غياب.

هدأت الأمور بعض الشيء وبقي الوضع علي ماهو عليه. وفي خلال الساعة الأخيرة من المعركة لاحظت بعض الناس يدورون وسط الثوار يحدثوننا بضرورة العودة إلي ميدان التحرير ، "يودودون" كما التعبير الدارج. أكاد أجزم أن هؤلاء لم يكن لهم وجود من قبل وأن مهتمهم كانت تفريقنا بعد فشل العنف في ذلك. وخلال هذه الفترة لاحظت بداية تراجع الكوردون الأمني الذي كان يسد طريق العودة. وبدأ شيئاً من الخلاف بين الثوار: نعود إلي التحرير أم نقيم "تحريراً" أخر هنا؟ كان لكل منهم حججه ومنطقه. بعد قليل ظهر بعض الناس من الشوارع الجانبية مدعين أنهم من أهالي المنطقة ويطلبون مننا الرحيل. إستشعر الثوار صيغة التهديد والوعيد في كلامهم ، الذي كان ظاهره الأدب ، فوجد الكثير أنه من الأفضل التراجع فقد وصلت الرسالة وسقط من سقط ومات من مات. حتي رفيقي "ش" الذي كان من الداعين إلي البقاء أخبرني أن البعض ممن ظهروا يعرفهم ويعرف علاقاتهم بفلول النظام وأن هذه التهديدات ربما يكون وراءها ما هو أبشع مما حدث بالفعل.

وفعلاً ، بصورة منظمة وهادئة دخلنا من الجامع لنخرج من بابه الخلفي إلي شارع أخر. لاحظت علي يميننا كردوناً أمنياً أخر يسد الطريق ، ولكن علي اليسار كان طريق العودة مفتوح. تجمعنا فيه وبدأت مسيرة العودة التي كانت مثل مسيرة الذهاب. الأعلام والهتافات. ولكن الأعداد كانت أقل بكثير. مشيت مع رفيقي معهم إلي نقطة مترو غمرة ثم قررنا ركوب المترو إلي التحرير.

عادت المسيرة إلي المنطقة المحررة ، جمهورية ميدان التحرير المستقلة ، المكان الوحيد في مصر الذي شممت فيه نسائم الحرية والعدل والمساواة عن حق. إعتلي بعض الثوار المنصات ليرووا لمن بقوا في التحرير ما حدث في موقعة العباسية. وجلس البعض الأخر يضمد جراحه المادية والمعنوية. شربت معهم بعضاً من الماء ثم خرجت من نقطة تفتيش قصر النيل وفي رأسي مقطع من أغنية لشادية يقول "ماشافش الرجال السمر الشداد فوق كل المحن ، ولاشاف العناد في عيون الولاد وتحدي الزمن ، ولاشاف إصرار في عيون البشر بيقول أحرار ولازم ننتصر ، أصله معداش على مصر".

عدت إلي منزلي ، عدت شخصاً أخر ، وأظن أنني لم أبدأ بعد في فهم حجم التغيير الذي حدث بي جراء أحداث هذا اليوم الذي لن أنساه ما حييت.

تحيا مصر!‏

Daydreams, a short story

The date was sometime in January 2008. Having just left work, I decided to walk home. This time of day, walking was faster anyway. As I climbed the stairs of the “Sixth of October Bridge” crossing the Nile from Cairo into Giza, I passed cars stuck in traffic. I knew that had I taken a taxi I would have arrived home in an hour or so, even though I lived ten minutes away on foot! Halfway across the Nile I stopped to catch my breath. The view on the bridge was pretty much the same: cars stacked one after the other in ad hoc rows, honking at each other for no apparent reason and their exhaust fumes adding to the city's already sub-human pollution levels (Cairo had made the rank of most polluted city in the world only last year). So instead, I turned and stared at the river. It is difficult to visualize how this city had ever been better. But there was a time, indeed there were many times, when Egypt was a much nicer place to live in.

It all started some 5000 years ago. The rise of the Empire of “Kemet” that dominated the known world for almost twenty centuries! I thought about this number. The Roman Empire in all its glory only lasted a few centuries, and so did the Hellenic civilization in Greece. But before them, a stable and powerful society had thrived along the valley of the Nile for about 2000 years! These were times of glory and greatness, when the King was law and the law was good. The people breathed the clean dry air of the desert, cooled down by the pure water of the greatest river in the world. The King, or Per-‘a برعا (pharaoh - meaning the Great House) was the ruler of the world; the most powerful human being in the universe. When Pharaoh spoke, the Earth trembled and powerful rulers scurried to do his bidding; Egypt's bidding. The ancient Egyptians thrived and lived happily through many centuries, before the decline of the Empire.

Ages of darkness and oppression followed. Every once in a while there were brief periods of glory. The light that was gone with the fall of the Empire was never completely extinguished and did twinkle very faintly every now and then, never fully brightening into a full-fledged fire.

Then along came an Ottoman tobacco salesman.

The nineteenth century saw the rise to power of the Ottoman Mohammed Ali. He is known today as the founder of Modern Egypt. But his vision of Egypt was different from what it ended up being. He saw Egypt as it was thousands of years ago, a power to be reckoned with, militarily, economically and in every other way conceivable. He dreamed of an educated people, leading the nations in science, technology and the arts. He saw the ancient spark and dreamed of rekindling it.

A particularly loud honk startled me and distracted my thoughts for a second. Drivers behind me started shouting obscenities at each other. Mohammed Ali certainly didn't dream of this.

I took a deep breath of polluted air and went on daydreaming. My mind raced forward, through a series of Mohammed Ali's successors, finally resting on the last great King of Egypt: Farouk the First. Now here is a name that one doesn't usually hear accompanied with good things. For many years we were systematically trained to think of “Farouk the drunkard,” “Farouk the womanizer,” even “Farouk the traitor;” the man who sold his country for a few pounds Sterling. It was only recently that we started to learn the truth. He was none of those things. What he was is a man who wished to continue his great-great grandfather Mohammed Ali’s dream of reawakening the ancient glory. But the times were against his visions. And he fell.

I looked around me. The scene hasn't changed. So I proceeded to continue my walk home.

What if, I thought, things went differently? What if King Farouk had better advisers? What if he had managed to overcome the forces against him and had continued on the path of a democratic constitutional monarchy, that which was started in the time of his father, King Fouad the First?
What if, what if?
I sighed. The “what ifs” are always useless.

Finally I was home, and all I wanted to do was shut away the noises and smells of the city. Eventually I settled down in my favorite couch and put on a CD. My choice was Verdi's greatest opera; “Aida.” Cast in ancient Egypt, it told the love story between a dashing Egyptian general and a beautiful Ethiopian Princess, captured on the battlefield along with her father the King and driven to Egypt as prisoners. One of the most beautiful scenes in Verdi's masterpiece is the famous “Grand March,” where the chorus sings the praises of Egypt in preparation for a grand battle. I listened to the music and my eyes started to close. As I slowly dosed off, I had a strange but wonderful vision: The year was 1940. The location was the old Cairo Opera House, built by none other than Khedive Ismael, son of Mohammed Ali Pasha and grandfather of King Farouk, in his effort to continue his father's vision of a modern Egypt. I sat in a balcony, wearing a tuxedo and a red tarbush (also known as a fez), assuming the role of an Egyptian dignitary of the period. On stage, the “Grand March” from Aida was playing. The music filled the auditorium. The chorus sang loudly and proudly: “Gloria all’ Egitto, Gloria all’ Egitto” “All Glory to Egypt, All Glory to Egypt.” I felt the hair on the back of my neck stand on end. I gazed across the audience, and in the center, exactly across from the stage, was the royal box. In it sat a young King Farouk, surrounded by his sisters the Princesses Fawzia and Fayza. The King stared in awe towards the stage, breathless. As the Chorus thundered in praise of our beautiful country, I saw the King lean forward and grab the railing, eyes fixed on stage. His eyes were full of tears, his features trembling in pride.
His face told it all.
I woke up. The music had stopped, and all I could hear were the honks and shouts from the street.

Moataz Emam 2008