الجمعة، 10 يوليو 2015

تخاريف مواطن مصري‫: موت أميرة

مقال كتبته علي الفىسبوك بتاريخ نوڤمبر 2009 أي قبل الثورة بعامان
‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_‫_

إنتقلت إلي رحمه الله صاحبه السمو الملكي الأميره فريال الإبنه الكبري للمغفور له صاحب الجلاله الملك فاروق الأول والأخت الكبري لصاحب الجلاله الملك فؤاد الثاني أطال الله في عمره وأبقاه.
توفيت سموها في حوالي الساعه السابعه صباحا بتوقيت جنيڤ يوم 29 نوڤمبر عام 2009 وسوف يتم نقل جثمان سموها إلي القاهره لتدفن إلي جوار والدها وأسرتها في مسجد الرفاعي. ومن المتوقع أن يحضر الجنازه صاحب الجلاله الملك.

لم تكن سموها لتختار ، إذا كان من الممكن الإختيار ، وقتا أكثر ملائمه من هذا لتموت. نزل علي هذا الخبر نزول الصاعقه ليذكرني بكل ما كان حلوا ببلدي ، ومات. أتي الخبر مكملا لحاله الحزن والأسي اللتي أشعر بها منذ أحداث الخرطوم. نشأنا وكبرنا في حضن بلدنا العظيمه مصر ونحن نتعلم وندرس أن مصر هي أعرق وأكبر بلاد المنطقه. مصر الشقيقه الكبري للبلاد الناطقه بالضاد. مصر حاميه حمي العروبه وزعيمه الصراع الشرق أوسطي لإسترداد فلسطين. مصر بلد خير جند الأرض اللتي بارك الله في كتبه ورسالاته. مصر صاحبه الهيبه والكرامه اللتي لم يكن ليستطيع أحد أن يتعدي عليها ، حتي في سنين الهزيمه والنكسه.

مصر اللتي في عصورها الحديثه حملت لواء التقدم والعلم والحضاره علي يد محمد علي باشا ، اللذي إن لم يكن ولد مصريا فإنه إكتسب هذه الصفه عن جداره ، مرورا بإبنه العظيم إبراهيم باشا صاحب أمجد الإنتصارات العسكريه في القرون الماضيه ، مؤكدا تفوق مصر العسكري والإستراتيجي علي دول المنطقه وقتها بما فيها الإمبراطوريه العثمانيه بكل جلالها ورهبتها.

مصر اللتي كافح أبطالها ضد الإستعمار بدءا بأحمد عرابي ومصطفي كامل وإنتهاءا بسعد باشا زغلول صاحب الفضل الحقيقي في إستقلال مصر من الإمبراطوريه اللتي لاتغرب عنها الشمس. مصر طلعت حرب وقاسم أمين ومصطفي النحاس. مصر الملكيه الدستوريه اللتي ، إن كانت أعطيت الفرصه ، لكانت وصلت بنا إلي أبهى مراحل الحريه والديمقراطيه.

مصر اللتي حملت لواء الزعامه في المنطقه ، وهي من عشقها العرب ممثله في صوره زعيمها جمال عبد الناصر اللذي ، علي الرغم من إختلافي معه في كثير من إتجاهاته ، لاشك أنه كان له الفضل في رفع المستوي المعيشي للمواطن المصري والقضاء علي الإقطاع ، بالإضافه لزعامته الكاريزميه ليس لمصر فقط بل لكل المنطقه.

مصر اللتي رفعها إبنها الراحل محمد أنور السادات من مقام الهزيمه لمقام الإنتصار والفخار. مصر اللتي لم تكن تسمح ، في عهده ، لكائن من كان أن يمس أبنائها أو حدودها ، وإلا وجد نسورها يدكون بلاده دكا.
كبرت في السبعينات من القرن الماضي ، ولم أكن ، بطبيعه الحال ، أفهم وقتها أي شيء من هذا. ولكني أذكر ، بكثير من السعاده ، الإحساس العام المحيط بي عام 1973. تحديدا يوم السادس من أكتوبر. إحساس لم أشعر بمثله بعد هذا التاريخ إلا مرتين: الأولي كانت في أحد أيام صيف 1978 حين كنت أصيف كالعاده مع أسرتي في مرسي مطروح ، وكانت الطائرات المصريه المقاتله تزأر فوقنا علي إرتفاع منخفض متجهه غربا لتلقن العالم درسا في كرامه الوطن وهيبه المواطن المصري. والثانيه منذ عشره ايام فقط ، حين تفجرت ولأول مره منذ 30 عام مشاعر الوطنيه الحقه في الشعب المصري والإحساس بحب هذه البلد اللتي أنجبت كل هؤلاء السالف ذكرهم ، وغيرهم الكثير بالطبع.

وكبرت كما يكبر الإنسان لأدرك الكثير والكثير مما لم أكن أدركه كطفل. أدركت أن تاريخ هذه البلد أكبر وأعظم مما كنت أعلم أو أتخيل. أدركت أن كرامه الوطن ليست مجرد كلمه نتشدق بها ، بل هي عمق معنوي يحمله كل منا بداخله. نكبر ليكبر معنا ، أو نصغر في أنفسنا ليتضائل معنا.
أدركت أن كرامه الوطن نسيج متكامل من كرامه أبنائه. شاهدت بمزيد من الأسي هذه الكرامه تضمحل وتتضائل شيئا فشيئا مع كل مواطن مصري يهان في قسم شرطه ، مع كل عامل مصري سافر إلي دوله أخري جريا وراء لقمه العيش ليجد بدلا منها الإمتهان في إنتظاره ، مع كل مواطن شريف يفقد عمله أو تجارته وأحيانا حياته لا لسبب إلا أن معتقده الديني مختلف عن الأغلبيه. مع كل فتاه مصريه ترجم بالحجاره ، المعنويه وأحيانا الماديه ، لا لشيء غير أنها لا تلف رأسها بقماشه لا معني لها وما أنزل الله بها من سلطان.

وأتت أحداث الخرطوم وفرشوط لتقضي علي البقيه الباقيه من الأمل في إسترداد مصر اللتي عرفتها صغيرا وكبرت معي في داخلي مع علمي تمام العلم أن مصر اللتي أحبها لم يتبق منها الكثير.

ماتت الأميره فريال. ماتت وكأنما أعلنت بموتها نهايه عصرا إنتهي فعليا منذ زمن ، ولم يبقه حيا فينا إلا رغبتنا في بقاءه.

رحم الله الأميره فريال

رحم الله الأمل

معتز إمام
مواطن مصري

هناك تعليق واحد: