السبت، 24 أكتوبر 2015

هو أنا ليه مابكتبش با‫"‫اللغة العربية الفصيحة‫"‫‫؟

بعض الناس إنتقدوني ‫، ووصلت أحياناً إلي حد الشتيمة وقلة الأدب ‫، إني بكتب بما يسمونه ‫"‫العامية المصرية‫"‫ ومابكتبش باللغة العربية الفصحي‫.‫ ممكن أرد وأقول ‫"‫وإنت مالك أنا حر‫"‫ ‫، وإلي بيشتم أقدر ألعن سنسفيل جدوده ‫(‫هي ‫"‫سنسفيل‫"‫ ولا ‫"‫سلسفيل‫"‫‫؟‫)‫ عادي جداً‫.‫ ولكن بعد كدة الناس إلي بتسأل بجد أعتقد يستحقوا تفسير‫.‫

مافيش حاجة إسمها ‫"‫عامية مصرية‫‫"‫
أيوة سيادتك سمعتني صح‫.‫
مافيش حاجة إسمها عامية مصرية لأن الكلمة دي بتوحي إننا بنتكلم عربي باللهجة المصرية ‫، لكن الواقع سيادتك إن معظم كلام المصري مش لهجة ‫، ولكنه لغة تانية خالص مش عربي أصلاً ‫، وهي اللغة المصرية القديمة في تطورها الحالي‫.‫ صحيح اللغة المكتوبة حروفها عربي ‫، وصحيح إن كتير من الكلمات أصلها عربي ‫، لكن الواقع إن يمكن الغالب مش عربي ‫، وتركيب الجمل مش عربي ‫، إحنا كمصريين بنتكلم لغة تانية ‫، بنتكلم ‫"‫اللغة المصرية‫"‫‫.‫ هي دي لغتي ولغة أجدادي ولغة أولادي ‫‫، هي دي اللغة إلي بتكلمها وفخور بيها ، وإلي عايز يقرالي يتعلمها ‫، مش عايز يتعلمها مايقراليش‫.‫ يعني مش حتروح لواحد طلياني مثلاً تقوله إنت ليه مش بتكتب باللغة اللاتينية وهي أصل اللغات الأوروپية‫‫؟ لأ ياخويا ‫، إتعلم إنت الطلياني لو عايز تقراله إنما مش حتخشله عنده وبمنتهي الألاطة تتمنظر عليه وتفرض عليه يكتب إزاي!‏!‏ مش عايز تتعلم الطلياني إنشالله ماعنك قريتله‫.‫

طيب أنا إيه دليلي إن المصري ده لغة بحالها مش بس مجرد لهجة‫؟ أنا مش حثبت حاجة ‫، إلي عايز يبحث يبحث ‫، الأدلة كتير وناس كتير قوي كتبوا في الموضوع ده بإستفاضة وأنا مش حعرف أكتب أحسن منهم‫.‫ أنا مش عايز أثبتلك ‫، أنا بس بجاوب علي السؤال‫.‫

وقشطة ‫.‫‫.‫‫.‫‫.‫
ملحوظة‫: معلومة لطيفة يمكن تعجبكم ‫، الجملة إلي جاية دي مافيهاش كلمة واحدة عربية ‫، كلها مصرية قديمة ‫خالصة بما في ذلك تركيبة وترتيب الكلمات‫:
"‫هات شوية فول يا عم الحاج‫"‫
أيوة كلها مصرية بما في ذلك ‫"‫يا‫"‫ و‫"‫عم الحاج‫‫‫"‫ :-‫‫)‫
 
 
 
 

لماذا سميت لغتنا بلغة الضاد - موضوع

الأحد، 18 أكتوبر 2015

هل نحن علي وشك الإتصال بكائنات الكواكب الأخري؟

من فترة قصيرة إنتشرت علي الإنترنت أخبار نجم إسمه
KIC 8462852
إسم مش رومانسي خالص أنا عارف لكن حاول تفتكره لأن يمكن ، يمكن ، مجرد إحتمال صغير جداً جداً ، إن هذا النجم حيبقي أكبر إكتشاف علمي في تاريخ البشرية من أول ما الإنسان الأول إكتشف طريقة إشعال النار.

فيه إحتمال ، صغير لكن موجود ، إن هذا النجم يدور حوله كوكب به حضارة ذكية ومتقدمة عننا بآلاف السنين!

زي ما إتكلمنا قبل كدة في هذا المقال ، التلسكوب الفضائي "كيپلر" مهمته إكتشاف الكواكب إلي بتدور حول نجوم أخري بإستخدام طريقة قياس الضوء. بمعني إيه؟ بمعني إن لما يكون فيه كوكب بيدور حوالين نجم بعيد عنا ، ممكن الكوكب ده يكون بيدور بطريقة معينة بحيث إنه يحجب جزء من ضوء النجم ده عننا. بقياس مقدار الحجب ، ومقدار تكراره نقدر نحدد حجم الكوكب وبُعده عن النجم. شوف الصورة دي في نفس المقال السابق. واضح إن حجم الكوكب بيحدد كمية حجب الضوء ، ومدي تكرار هذه الظاهرة بيحدد برضه سرعة دوران الكوكب إلي بتحدد مداره وبعده عن النجم. الصورة دي مثلاً هي لقياس الضوء لأحد الكواكب إلي إكتشفها كپلر:

https://tek22dotcom.files.wordpress.com/2015/10/kepler7b-2.png

لاحظ الإنخفاض البسيط في قوة الضوء إلي بىحصل كل فترة وبيكرر نفسه؟ هو ده إلي بيحددلنا وجود كوكب. أهم نقطتين هنا إن إنخفاض الضوء لا يزيد عن نسبة إتنين من مية في المية ودي النسبة المتوقعة لكوكب صخري صغير زي كوكب الأرض مثلاً. عموماً إنخفاض الضوء لا يزيد بأي حال من الأحوال عن واحد في المية ، وده للكواكب الكبيرة العملاقة بحجم المشتري مثلاً. النقطة التانية هي التكرار ، الكوكب إلي في الصورة بيحجب الضوء كل يوم مرة تقريباً ، معني كدة إنه بيلف حوالين النجم بتاعه بسرعة عالية في مدار صغير جداً وبيكمل دورة كاملة كل أربعة وعشرين ساعة.

طيب يحصل إيه بقي لو لقينا نجم الضوء بتاعه بيتحجب بنسب عالية جداً ، زي عشرة ، خمستاشر ، لغاية عشرين في المية؟ معناها إن إلي بيحجب الضوء حاجة ضخمة جداً أو مجموعة حاجات ضخمة ، ده مش بس كدة ، ده كمان الحجب الضوئي مش بيكرر نفسه بصورة منتظمة ، وكل مرة بيحجب الضوء بصورة مختلفة وكمية مختلفة ، كأنه ليس كوكب لكن كأنه مجموعة ضخمة من الأشياء إلي بتزيد وبتقل بصورة غير منتظمة وبتكرر وجودها بصورة غير منتظمة ، كأنها بتتوقف وبعدين تكمل حسب الطلب!!

طيب ده ممكن يكون إيه بقي بالصلاتو ع النبي؟

أكيد مش كوكب ، لأن الإنخفاض الضوئي عالي جداً بيخلينا نظن إن الشيء إلي بيحجب ضوء النجم حجمه قد يصل إلي نصف حجم النجم نفسه ، مافيش كوكب بالحجم ده ، وأكيد مش نجم تاني وإلا كننا حنشوف الضوء بتاعه ، وبعدين مش بتكرر نفسها بإنتظام ، وكمان فيه منها مئات ومئات ، وكل إنخفاض شكله غريب ومختلف عن أي شيء شفناه قبل كدة ، شوف المقال ده بيشرح الموضوع بتفاصيل أكتر.

ممكن يكون التفسير هو إن دي ظاهرة من ظواهر تكون مجموعة شمسية جديدة ، يعني في بدايات أي مجموعة شمسية بيكون فيه تصادمات مثلاً بين الكويكبات ، أو ممكن يكون مذنبات بتتحرك في مدارات عشوائية بسبب تأثير نجم تاني. بإختصار ممكن يكون حاجات كتير ، زي ما أصحاب البحث بيوضحوا. لكن المشكلة إن كل سيناريو من السيناريوهات الممكنة فيه عيوب تخلي إحتمالاته ضئيلة جداً ، ده غير إن النجم (KIC 8462852) مش نجم جديد علشان يكون لسة بيكون مجموعة شمسية.

طيب منين بقي جت فكرة إن السبب في الظاهرة دي ممكن يكون مخلوقات ذكية؟ جت إن تابيثا بوياجيان ، الأستاذة إلي عملت البحث الرئيسي في الموضوع ده ، ورت النتيجة لواحد إسمه جيسون رايت ، باحث تاني كان ليه دراسات بتبحث في إحتمالية وجود حضارات متقدمة وصلت إلي درجة بناء محطات فضائية عملاقة تدور حول النجوم. الهدف من هذه المحطات في الأغلب يكون تجميع الطاقة الشمسية للنجم وتحويلها إلي طاقة قابلة للإستهلاك. لو كان فيه حضارة متقدمة إلي هذه الدرجة وبتبني عدد كبير من المحطات وكل شوية تضيف محطات جديدة قد يكون هذا هو مصدر المنحنيات الضوئية العجيبة للنجم (KIC 8462852).

نتأكد إزاي؟ العالمين بوياجيان ورايت تقدموا بطلب لتأجير وقت علي تلسكوپات الراديو العملاقة التابعة لمشروع 
SETI
(كما هو مشروح في مقالي هذا) ، لأن لو ظاهرة (KIC 8462852) سببها مشروع تكنولوجي لحضارة متقدمة فهذه الحضارة لابد وأنها بتنتج كميات كبيرة من موجات الراديو إلي من السهل أن نستقبلها ونتأكد أنها نتاج حضارة ذكية. هل ده إحتمال كبير؟ الحقيقة لأ. بالرغم من كل ماقلناه وبالرغم من كل مشاكل ظاهرة (KIC 8462852) فأن إحتمالات إن السبب طبيعي أكبر من كونه غير طبيعي أو نتاج حضارة ذكية. الموضوع لسة فريش ، والأبحاث لسة يادوب بتبتدي.

إبقوا معنا :-)

إضافة‫: مافيش يومين بعد كتابة هذا المقال أعلن معهد ‫"‫سيتي‫"‫ إنهم بدأوا بالفعل دراسة موجات الراديو القادمة من إتجاه (KIC 8462852)
http://www.space.com/30855-alien-life-search-kepler-megastructure.html

الثلاثاء، 6 أكتوبر 2015

يا ‫"‫نيوترينو‫"‫ يا

إشتعلت اليوم وكالات الأنباء (الوكالات العالمية هي إلي إشتعلت في المعظم ، غالبية الوكالات العربية ماقالتش حاجة ، مش فاضيين ‫، بإستثناءات قليلة) بخبر فوز "تاكاكي كاجيتا" (من كوكب اليابان الشقيق) والكندي "أرثر ماكدونالد" (لأ مش بتاع ساندوتشات الهامبورجر) بجائزة نوبل هذا العام (2015) في الفيزياء ، عن أبحاثهم الخاصة بإثبات حاجة إسمها "تذبذبات النيوترينو". وفجأة وبدون أي سابق إنذار بقت كلمة "نيوترينو" علي كل لسان ، كل الناس (إلي عايزة تفهم) بتسأل "هو إيه ياخويا النيوترينو ده وبيتذبذب ليه كفي الله الشر؟ عيان يعني ولا صحي الصبح لقي نفسه كدة ولا إيه الحكاية؟"

النيوترينو ده قصة رائعة من قصص الفيزياء وملحمة في البحث العلمي لا نظير لها. هو جزيء صغنن جداً ينتمي لمجموعة "الجزيئات الأولية" ، زي الإلكترون والفوتون والحاجات إلي بنسمع عنها دي لما نحب نتفذلك ونعمل نفسنا فاهمين بنقول إيه. أنا كنت إتكلمت قبل كدة في الجزء الثاني من مقال "النموذج القياسي" عن موضوع الجزيئات دي ، وتحديداً لو سيادتك بصيت في الصورة إلي في المقال حتلاقي علي أقصي الشمال مش نيوترينو واحد ، لأ ده فيه تلات أنواع سيادتك ، كلهم نيوترينو. وأسماءهم مرتبطة بجزيئات تانية ، يقولك "نيوترينو الإلكترون" و"نيوترينو الميون" و"نيوترينو التاو". الأنواع دي بيسموها "نكهات" يعني flavors مفردها "نكهة". الحقيقة الموضوع مالوش علاقة بالنكهات يعني النيوترينو مالوش طعم ولا حاجة (نيوترينو بنكهة الفراولة؟) بس هي زي ما تقول كدة خفة دم من بتوع الفيزيا (ها ها ها).

طيب إيه القصة بقي؟

الحكاية إن في الثلاثينيات من القرن العشرين العلماء كانوا بيدرسوا ظاهرة المواد المشعة ، وكان من المعروف وقتها إن فيه مواد معينة بتشع إلكترونات. المشكلة ظهرت لما جم يقيسوا طاقة الإلكترونات دي لقوها ناقصة حتة. بمعني إن إحنا عارفين إن الطاقة لا تفني ولا تستحدث ، ماشي؟ فلما تيجي تعمل تجربة وإنت عارف ومتأكد لأسباب نظرية ومعملية إن ناتج التجربة محتوي الطاقة لازم يكون "كذا" وتيجي تقيسه تلاقيه "كذا إلا حتة" ، حيبقي قدامك حل من تلاتة: إما إنك فاهم غلط أو حسبت حساباتك غلط ، أو إن قانون بقاء الطاقة غلط (تف من بقك) يا إما الطاقة الناقصة راحت في حتة إنت ما أخدتش بالك منها وماشفتهاش. الأخيرة دي هي إلي العلماء إقترحوها (تحديداً "ڤولفجانج پاولي" الفيزيائي الشهير). قالك أكيد فيه جزيء جديد إحنا مش شايفينه ولا قادرين نقيس وجوده ، لا ليه شحنة كهربائية (neutral) ومالوش كتلة أو كتلته صغيرة قوي ، وضعيف كدة بيعدي في أي حاجة من غير ما حد يحس ولا أي جهاز يقدر يلقطه ، لكن بيشيل طاقة لأنه بيتحرك. وهو الجزيء ده الحرامي إلي سرق طاقة الإلكترون!

وإنتشرت الفكرة وإتشهرت ، ودخلت في المعادلات والقوانين. وأصبح الجزيء ده إسمه ال"نيوترينو" ، لأن كلمة "نيوترون" معناها جسم لا شحنة له و"نيوترينو" هي مصغر "نيوترون" بالطلياني ، يعني النيوترون البيبي (علي وزن "بامبينو" كدة). لكن فين وفين ، بعد الأحداث دي بأكتر من عشرين سنة ، لما بتوع التجارب قدروا إنهم يثبتوا وجود النيوترينو معملياً. نظراً لأنه صغير جداً وخفيف جداً ولا شحنة له ولا بيتفاعل مع أي حاجة (مالوش لازمة يعني) كان من الصعب إننا نشوفه بصورة مباشرة ، لكن التفاعلات الناتجة عن التفاعلات الناتجة عن تفاعلات النيوترينو الضعيفة جداً ممكن رؤيتها. مشكلة النيوترينو إنه بسبب خواصه الغريبة دي ممكن يعدي في أي جسم صلب من غير ما يخبط في حاجة. العلماء بيقدروا إن مليارات النيوترينو يومياً بتعدي في جسم سيادتك وفي الكرة الأرضية كلها من أولها لأخرها وهي ماشية في خط مستقيم كأنها معدية في لاشيء بالظبط! بس علي الرغم من كدة فيه إحتمال قليل قوي قوي قوي قوي قوي إنه ممكن من وقت للتاني نيوترينو يتفاعل مع شيء من المادة. علشان كدة قالك طيب إحنا حنبني تانكات مية كبيرة جداً جداً فيها ملايين الجالونات من المية ، علشان لما يعدي فيها كذا مليار نيوترينو في اليوم الإحتمالات تزيد إن واحد منهم ، واحد بس ، يتفاعل مع جزيئات المية ونشوفه. وفعلاً هو ده إلي حصل ، ولسة لحد النهاردة دي أفضل طريقة ل"رؤية" النيوترينو وعمل الأبحاث عليه.

Super-Kamiokande Neutrino Detector Helps Scientists Find Dying Stars
 
ال"سوپر كاميوكاندي" ، تانك المية العملاق إلي "كاجيدا" إستعمله في أبحاث النيوترينو

حلو الكلام؟

كلام جميل

طيب مصدر النيوترينو ده منين؟ يعني إيه الظواهر الطبيعية إلي بتطلع نيوترينو؟ قلنا قبل كدة إن المواد المشعة بتطلع نيوترينو ، ولذلك تلاقي المفاعلات النووية هي من أهم مصادر النيوترينو علي الأرض. في الطبيعة بقي إحنا عندنا مفاعل نووي عملاق لو سيادتك بصيت في السما بالنهار حتشوفه: الشمس. التفاعلات النووية داخل الشمس بينتج عنها كميات رهيبة من النيوترينو بتنطلق في كل إتجاه وكتير منها بينزل الأرض كل يوم (أو بالأصح بتخترق الأرض كل يوم). فكان طبيعي إن العلماء يبتدو يدرسوا النيوترينو إلي جاي من الشمس في تانكات المية إياها. وفي نهاية الستينيات قاسوا كميات النيوترينو إلي جاية من الشمس وكان إكتشاف كبير ، وإديها أفراح وليالي ملاح.

ولكن

وأه من كلمة لكن

كلمة "لكن" دي في العلوم يا إما بيبقي وراها مصيبة يا إما بيبقي وراها إكتشافات أعظم وأجمل مم سبقها. في الحالة دي "لكن" كان شكلها في الأول حتطلع مصيبة لكن إنتهت بفرح. الحكاية إن كميات النيوترينو إلي جاي من الشمس طلع إنها أقل من المتوقع. يعني النظريات إلي إحنا بانيين عليها فهمنا للشمس بتقول لازم يطلع من الشمس عدد كذا نيوترينو ، لكن القياسات لقت إن إلي بيطلع هو تقريباً ثلث الكمية. طيب هو التلتين الناقصين راحوا فين؟ هو يعني النيوترينو ده دايماً صداع كدة مايجيش بالساهل أبداً؟ يكونش (تف من بقك بسرعة) النظريات إلي إحنا بانيين عليها فهمنا للشمس غلط؟ ولا يكونش النيوترينو إلي طالع من الشمس بيقع منه تلتينه في السكة؟

عشر سنين تانية عدت قبل ما نعرف الإجابة ، أو بالأصح قبل ما يبقي عندنا نظرية نعرف نشتغل بيها. في سنة 1978 علماء جامعة إستانفورد إكتشفوا تجربة جديدة شبه بتاعة التلاتينات فيها برضه كمية طاقة ناقصة ، بس المرادي الطاقة مش ناقصة من الإلكترونات ، لكن ناقصة من جزيء تاني إسمه التاو. فبعد الدراسة والأبحاث والمؤتمرات إتفقوا إن فيه نوع تاني من النيوترينو ، برضه شحنته صفر وصغنن وكتلته ضعيفة ويمكن صفر وبيسرق الطاقة ، لكن الفرق الوحيد بينه وبين النيوترينو الأولاني إنه بيسرق طاقة من التاو مش من الإلكترون. ونفس الحكاية حصلت بعدها بعشر سنين في تجارب فيها جزيء إسمه الميون. وبكدة إتضحت الرؤيا ، فيه تلات أنواع من النيوترينو ، تلات نكهات: النيوترينو الأصلي بتاع پاولي إلي أصبح إسمه "نيوترينو الإلكترون" وفيه "نيوترينو التاو" وأخيراً "نيوترينو الميون". التلاتة ليهم بالظبط نفس المواصفات لكن بيختلفوا فقط في نوعية الجزيء إلي بيسرقوا منه.

كل ده بقي علاقته إيه بالشمس والنيوترينو الناقص؟ ماهو أكيد مش صدفة يعني إن فيه تلات أنواع نيوترينو وإن الشمس بتنتج بالظبط تلت أعداد "نيوترينو الإلكترون" التوقعة. الحل النظري كان في إن الشمس بتنتج بالفعل العدد المتوقع من "نيوترينو الإلكترون" لكن في الطريق إلي الأرض بيحصل إلي بيسموه تذبذبات النيوترينو: تلت الكمية بيتحول إلي "نيوترينو تاو" والتلت الباقي بيتحول إلي "نيوترينو ميون". وده يفسر ليه إحنا بنشوف بالظبط تلت كمية النيوترينو الأصلي. المعادلات النظرية برضه بتؤكد إن لازم يكون النيوترينو ليه كتلة صغيرة قوي قوي ، وإن هو مش من الجزيئات التي لا كتلة لها.

التأكيد المعملي لهذه التذبذبات حصل حوالي سنة 1998 ، وكان نتيجة التجارب إلي عملها الفريق الياباني بقيادة "تاكاكي كاجيتا" والفريق الغربي بقيادة "أرثر ماكدونالد" ، وهي دي التجارب إلي إستحقوا عنها جايزة نوبل السنادي.

وتوتة توتة فرغت الحدوتة

الجمعة، 2 أكتوبر 2015

العلم الخطأ والعلم الزائف

بخصوص موضوع العلوم الزائفة إلي كتبت فيه سابقاً (قائمة العلوم الزائفة ، خصائص العلم الزائف ، المنهجية العلمية ، كيف نتعامل مع العلم الزائف) دخلت في حوار لطيف مع بعض الأصدقاء حول بحث نشره أحد منكري التطور في مجلة تبدو وأنها تهتم بالتحكيم العلمي ، صحيح ليست من كبار المجلات ولكنها ، علي ما بدا لنا ، إلي حد ما مقبولة ، أو علي الأقل إختلفت حولها الأراء. ووجد أحد أصدقاءنا المتخصصين أخطاء علمية واضحة في البحث ووضح لنا أن لو كان هو المحكم العلمي لما قبل النشر. وطالبني الأصدقاء وقتها أن أضيف إسم المؤلف في قائمة العلم الزائف. خاصة أن المؤلف شخص سليط اللسان وتعدي علي وعلي عائلتي بالسب والقذف سابقاً. بس الحقيقة أنا كان لي رأي في هذا الموضوع:
أولاً: القائمة محايدة ، لا يجب أن تتأثر إطلاقاً بالخلافات الشخصية ، ولذلك لم أرد أن أضيفه لمجرد إنه شتمني.
ثانياً: هل هذا المؤلف بالفعل من مروجي العلم الزائف؟ هو قام بنشر بحث مليء بالأخطاء العلمية هذا صحيح ، ولكنه كما بدا لي فأنه إتبع المنهجية العلمية الصحيحة ، ولذلك ترددت في إضافة إسمه وفكرت إني فقط سأتابعه حتي يتأكد لي العكس. وهذا هو الحال ساعة كتابة هذه السطور.

ولكن هذه الواقعة أثارت نقطة هامة لم أتطرق لها بالكتابة مسبقاً:

ماهو الفرق بين البحث العلمي الخاطيء ، وبين البحث العلمي الزائف؟ وهل يختلطان؟

الفرق كبير جداً وأيضاً مهم جداً. لم يدعي أحد أبداً أن العلماء لا يخطئون ، بل أذهب إلي أبعد من ذلك وأقول أنه لم يدعي أحد أيضاً أن نظام المنهجية العلمية نظام مثالي بلا ثغرات. هذا غير صحيح مطلقاً ، والأمثلة كثيرة.
كم من مرة نُشر بحثاً ثبت في ما بعد أن به أخطاء ، ليس فقط مخطئاً في فرضياته ولكن مخطيء في طريقة البحث نفسها: تجارب بها ثغرات في نظام التحليل الإحصائي ، أبحاث تعتمد علي الرياضيات بها أخطاء رياضية. وعدت الأبحاث دي في نظام التحكيم العلمي المعروف وإتقبلت في أكبر المجلات العلمية عادي. وأحياناً تعدي ومحدش ياخد باله حتي بعد النشر ، لكن في الأغلب ما يظهر لها نقاد بعد نشرها وظهورها في المجلات أو المؤتمرات. والنقد لا يكون كدة بالكلام فقط أو في مدونة أو علي الفيسبوك ، لكن يتجه الناقد الجاد إلي كتابة أبحاث أخري ترد علي هذه الأخطاء وتُنشر في نفس المجلة مثلاً. ويدور حوار ، وإذا كان الخطأ واضح فأن مؤلف البحث المغلوط ، إذا كان عالماً حقيقياً ، يكون أول من يعترف بهذا الخطأ ، ويكتب بحثاً تصحيحياً مثلاً يوضح فيه خطأه. مش معني إن البحث عدي في التحكيم العلمي إنه صح ، دي نقطة كتير من الناس مابياخدوش بالهم منها ، هو في الأغلب صح ، أو علي الأقل في الأغلب صح من ناحية المنهجية ، ولكن ليس دائماً. (حصلت معايا مرة إني كتبت بحث وإستعجلت وبعته للنشر. المحكم العلمي رجعهولي موضحاً إن فيه أخطاء رياضية فادحة. بعد ما أعصابي هديت وتغلبت علي كرامتي إلي وجعتني وهديت كدة وإستهديت بالله وبطلت اشتمه في سري ، بصيت في البحث تاني ولقيت الراجل معاه حق ، أو الست لأن الواحد مابيعرفش مين المحكم. فأعدت البحث كله من أوله لأخره وصححت الأخطاء وبعتها تاني لنفس المحكم وإتنشر ، وحمدت ربنا ساعتها إن المحكم قفشني لأن لو كانت عدت والبحث إتنشر كانت حتبقي فضيحة بجلاجل فيزيائية. مع ملاحظة إنها بتحصل وعلي المدي البعيد لا تؤثر علي سمعة الباحث إلا إذا تكررت أكثر من مرة. المهم!).
كل ده عادي علي فكرة ، بيحصل كل يوم وفي مجلات علمية كبيرة. وأحياناً يختلف المحكم العلمي مع المؤلف ولا يصلون إلي إتفاق. وقتها يكون الموضوع في الأغلب إختلاف في وجهات النظر وليس مسألة خطأ واضح وصريح لا يختلف عليه إثنان. مثال شخصي تاني: أذكر مرة إني أرسلت بحث لمجلة. المراجع ما عجبوش البحث. لم يجد فيه أخطاء ولكنه قرر إن المحتوي مش كافي وإن المفروض أكتب زيادة ، وأنا كبرت في دماغي إن المحتوي كافي ، مش تكبراً لكن لأنني كنت أظن ذلك بالفعل. بعد حوار بالإيميل رايح جاي ماعرفتش أقنعه وماعرفش يقنعني رحت بمنتهي الهدوء ساحب البحث ومقدمه في مجلة تانية لقيته إتقبل ، لأن المحكم المرادي إتفق معايا إن المحتوي كافي. إختلاف وجهات النظر ده عادي وبيحصل كتير. ولكنه دليل أخر علي ثغرة من ثغرات نظام التحكيم العلمي. العلماء يدركون جيداً وجود هذه الثغرات ويتعاملون معها بأمانة حين تظهر ، لأن هدفنا ليس إعلاء الرأي والإنتصارات الشخصية ، هدفنا هو تقدم العلم والوصول إلي الحقيقة (إن وجدت).

وهنا ، في هذه النقطة بالتحديد ، يظهر لنا الفرق الكبير والشاسع بين العلم الخطأ والعلم الزائف. كما قلنا العلم الخطأ بيحصل بصور مختلفة ، لكن العالم الحقيقي لا يكابر ويعترف بخطئه حتي لو كان أينشتاين نفسه (حصلت). أما المخرف صاحب العلم الزائف فليس هدفه الوصول إلي الحقيقة لكن غالباً ما تكون أهدافه إما إعلاء نفسه أمام الناس أو إعلاء فكرة مسبقة عنده نابعة من وجهة نظر غير علمية (عقائدية مثلاً ، زي صاحبنا في المثال أول المقال) وأحيانا الإتنين. ومن هنا من الصعب جداً وقد يكون من المستحيل أن يتراجع هذا النوع من الناس عن رأيه ، حتي لو ثبت أمام الجميع (بخلافه هو) أنه مخطيء بالدليل القاطع والبرهان الساطع. لأنه إذا فعل ذلك خسر منظره أمام مريديه وتراجعت شهرته وتوقف الجميع عن متابعته ، إن كانت الشهرة مقصده ، أو حدث ما هو أسوأ ، إذا كانت دوافعه عقائدية أو دينية وأضطر أن يتراجع عن خطأه فسيعتبر هذا (هو الي حيعتبر مش إحنا) ضربة لدينه ولعقيدته ، وهذا صعب جداً عند الكثير من الناس ، إن لم يكن أغلبهم أو كلهم. ولذلك قلنا سابقاً وسنظل نقول ، لا تخلطوا العلم بالدين لأن في هذا خطورة علي الدين وليس على العلم.
وقد يحاول صاحب العلم الزائف أن ينشر أراءه بصورة منهجية في المجلات العلمية ، ولا غبار عليه في ذلك ، فهو يتبع أصول العلم ، ولكنه قد يصطدم بالواقع حين لا يُقبل بحثه ، أو يُقبل وينشر لكن يُرَد عليه في بحث أخر. وقتها يظهر المعدن الحقيقي للباحث ، إن كان عالماً حقاً فسيقبل النقد والنقاش ، بحث ببحث ، وفكر بفكر ، ويقبل التراجع عن خطأه ، ولا تأخذه العزة بالإثم ، أما إن كان مخرفاً فسيرفض النقد ، وترتد عليه تخريفيته (إن صح التعبير) وتظهر عليه سمات الزيف. بل وقد يزيد علي ذلك ويهاجم منتقديه هجوماً شخصياً ، معتبراً أن الصراع هو صراع شخصيات ، ولكنه في الواقع ليس هكذا إلا في فكره هو.
كم أتمني أن يرحم البعض أنفسهم ويرحموا الناس. كم من طاقة عقلية مهدرة في الزيف ، ولو تم توظيف هذه الطاقات في العلم الحقيقي لكنا وصلنا مجرات أخري وليس فقط كواكب اخري.
ربنا يهدي!

(مع الشكر للصديق المهندس أكرم مسعود علي فكرة المقال)