أبي الحبيب ، المرحوم أستاذ دكتور حسن محمود إمام.
الراجل ده يا جماعة كان بالنسبالي زي ما بيقول الأمريكان Larger than life
ححكيلكوا قصة ، بس الأول خلوني أديكوا خلفية: بابا كان أستاذ في هندسة القاهرة وتقلد مناصب إدارية مثل: وكيل الكلية ، ثم أخر عميد منتخب للكلية (بعد كدة بقت بالتعيين) ثم إختاره رئيس جامعة القاهرة دكتور مفيد شهاب ليكون نائب رئيس الجامعة لشئون التعليم والطلاب. بالإضافة لكدة شغل مناصب جانبية كتير زي مثلاً أحد قضاة محكمة القيم إلي أقامها أنور السادات فترة ، ده غير حصوله علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي وجايزة الدولة التشجيعية ثم جايزة الدولة التقديرية.
وفوق كل ده كان زوج متميز وأب عظيم ، أحب أمي وشالها فوق راسه علي مدار ما يقرب من خمسين سنة جواز ، وشال حماه وحماته كمان في سنهم المتقدمة ، ده غير طبعاً والدته هو شخصياً. إتعلمت من بابا حاجات كتير جداً جداً. وعندي قصص كتيرة عنه بحكيها لأولادي. بس النهاردة حابب أشارك معاكم قصة محددة أخدت فيها درس عملي رائع.
من المناصب إلي بابا تولاها كانت منصب رئيس اللجنة المختصة بتقييم المخالفات الهندسية في محافظة الجيزة بالكامل. يعني من صميم وظيفة اللجنة إنها توقع عقوبات وقرارات إزالة علي المباني المخالفة مثلاً. وفي يوم من الأيام ، عمري ما حنسي اليوم ده. كنت قاعد جمبه في البيت ورن التليفون الأرضي (مكانش لسة فيه موبايلات). بابا رد وفهمت من ردوده إنه بيكلم شخصية من كبارات رجال الأعمال في مصر أيام مبارك. إسم كبير ومشهور. إبتدا الحوار بصورة لطيفة "أهلا يا فلان بيه" وكدة. وبعدين إبتدي الكلام يتطور ولهجة بابا إبتدي يشوبها الحدة. عرفت بعدين إن رجل الأعمال كلم بابا علشان عنده عمارة مخالفة واللجنة إلي بابا رئيسها طلعتلها قرار إزالة. وقعد بابا يكلم الراجل كويس ويشرحله إنه بيطبق القانون. وفجأة إبتدت نبرة صوته تتغير ، وإنتهت المكالمة إن بابا بيزعق فيه "إقفل السكة بدل ما أقفلها في وشك." ماكنتش محتاج أعرف ليه ، الراجل عرض علي بابا رشوة ، ورشوة كبيرة جداً زي ما عرفت بعد كدة.
بعد المكالمة حكالي وهو متعصب. وبعدين رن التليفون تاني.
المرادي كانت المفاجأة الحقيقية. شخص من أكبر الشخصيات السياسية في مصر وقتها: الدكتور ف. س.
بابا طبعاً كلمه بطريقة لطيفة بس بمرور سياق المكالمة فهمت إن الشخصية الكبيرة متصلة علشان رجل الأعمال. وطالب من بابا يلغي قرار الإزالة. بابا إتكلم بمنتهي الهدوء وقاله "أنا يا دكتور "س" بطبق القانون إلي إنتوا كدولة حطينه. إنت في موقع يسمحلك تغير القوانين دي. غيرها وأنا أطبق القانون الجديد مافيش مشكلة." وخلصت المكالمة علي رفض تام من بابا لعمل أي محاباه لأي حد مهماً كان شخصه ومهماً كان إلي بيتشددله.
بعد الواقعة دي حصل حاجتين. أولاً بابا قعد شوية وبعدين إستقال من رئاسة اللجنة ويمكن دي أخر مرة إشتغل فيها مع محافظة الجيزة. وطبعاً قرار الإزالة لم يطبق.
الواقعة التانية إن بعد فترة قصيرة من المكالمات دي فجأة جرايد البلد إبتدت تنشر مقالات هجومية عن أحد أساتذة وعمداء الكليات المصريين إلي بيقبل رشاوي وبيستغل منصبه و و و مليون حاجة. كل يوم مقالة شكل في جريدة شكل عن فساد هذا الشخص. بدون ذكر أسماء محددة وبدون أي أدلة. بس كان واضح جداً لأي حد يعرف بابا إنه هو المقصود. حملة شعواء إستمرت فترة مش بطالة.
يعمل إيه بقي دكتور حسن إمام؟
عمل نسخة من كل المقالات دي ، ومعاها نسخ من أوراق رسمية تثبت إن كل كلمة في المقالات دي كدب في كدب ، وطبع كل الأوراق دي في ملزمة وعمل منها مئات النسخ علي حسابه. وكان أي حد يجيله مكتبه في الجامعة أو مكتبه الخاص يديلي نسخة ويقوله انا المقصود ، خد إقرا دي. ووقتها كان عميد الكلية وكان عارف إن دكتور مفيد شهاب بيفكر فيه كنائب ليه في الجامعة ، ودي جامعة القاهرة يعني مش أي كلام ، ودي مناصب تعتبر سياسية. فراح مكتب دكتور مفيد وإداله نسخة من الملزمة وقاله انا المقصود بالمقالات دي والأسباب الحقيقية كذا وكذا وكذا (مع ذكر الأسماء). حبيت أقولك علشان لو أخدت قرار تبقي عارف بتختار مين وتبقي فاهم مين أعداءه.
بعدها بفترة بسيطة أصبح بابا نائب رئيس الجامعة وإنتهت فوراً الحملة المشنة عليه في الجرايد. وفضل نائب رئيس الجامعة إلي أن طلع معاش. ويُحكي ، بس دي مش أكيدة ، إن إسم بابا إتعرض كتير لمنصب وزير بس كان ديماً بيتشال من اللستة علشان "مابيسمعش الكلام."
الله يرحمك يا أبويا ...