الأربعاء، 17 فبراير 2016

علي الوتر الحساس

فيه فرع عملاق في الفيزياء إسمه ‫"‫نظرية الأوتار الفائقة‫"‫ أو
Superstring Theory
وكتير من العلماء إلي بيشتغلوا فيها كتبوا كتب وعملوا ڤيديوهات بتشرح النظرية بلغة بسيطة ‫، زي مثلاً البرنامج التليڤزيوني الشهير ‫‫"‫الكون الأنيق‫"‫
القائم علي كتاب بنفس الإسم للفيزيائي المعروف ‫"‫بريان جرين‫"‫
Brian Greene
‫(‫‫البرنامج أكثر من رائع وأنصح به بشدة ‫، مش بس في ما يختص بنظرية الأوتار ولكنه يتجول في جزء كبير من الفيزياء الحديثة بما في ذلك النسبية وميكانيكا الكم‫.‫ وهو متوفر في الرابط أعلاه ببلاش ‫، وأعتقد أن هناك نسخ مترجمة للعربية علي يوتيوب)‫‫.‫ مشكلة بعض هذه الكتب والبرامج إنها يمكن تدي إنطباع للقاريء والمتفرج إن ‫"‫الأوتار الفائقة‫"‫ نظرية فيزيائية محسومة ومنتهية وتعبر عن الطبيعة بما لا يقبل مجالاً للشك‫.‫ للأسف مش هي دي الحقيقة‫.‫ نظرية الأوتار لازالت إلي حد كبير في نطاق الفرض النظري الغير مدعوم بمشاهدات أو تجارب معملية‫.‫ ولأول مرة في تاريخ العلوم نجد فرضية غير مثبتة تتمع بقدر كبير جداً جداً من الإهتمام من العلماء وذلك علي مدي ما يقرب من خمسين سنة من بداياتها‫ ‫(حوالي سنة 1969)‫.‫


http://images.fineartamerica.com/images-medium-large/superstrings-conceptual-artwork-equinox-graphics.jpg


خمسيييين سنة‫؟ يا نهاري‫!‏ فكرة علمية لا إثبات لها ولا تجارب فيها تعيش المدة دي كلها ليه‫؟ إيه إلي مخلي ناس كتير متمسكين بيها علي الرغم من معرفتهم أنها ليست إلا فرضية غير محسومة‫؟ إيه إلي مخليهم يقولوا زي ما قال إدوارد ويتن ‫(‫‫من كبار الباحثين في النظرية)‫ أنها ‫"‫نظرية مستقبلية ‫صحيحة ألقيت علينا من المستقبل‫ ولا نستطيع إثباتها فقط لأن التكنولوجيا لم تتوفر بعد"‫‫؟ ولا واحد زي شلدون جلاشو يوصفها بأنها ‫"‫‫اللعبة الوحيدة ومافيش غيرها ‫(‫‫يعني ماحدش يلعب حاجة تانية)‫"‫‫‫؟ في العادي أي فرضية تقعد مدة طويلة زي كدة من غير إثباتات معملية بتهمل ‫، أو علي الأقل بتتشال علي الرف وماتلاقيش ناس كتير بتبحث فيها‫ إلي أن يتغير الوضع.‫ لكن الحكاية هنا مختلفة تماماً ‫، وهناك علماء عديدين ‫، منهم أسماء كبيرة ‫، بيشتغلوا فيها بمنتهي الشغف ‫، وعمالين يطلعوا بحث ورا بحث بلا كلل ولا ملل‫ ‫(‫‫أنا منهم ‫، بشتغل في جزء صغير علي قدي)‫.‫

طيب ليه‫ كل الإهتمام ده‫؟ عروستي‫؟

الإجابة المختصرة هي إن نظرية الأوتار الفائقة نتج عنها إجابات ‫(‫نظرية‫)‫ عن تساؤلات كتير جداً كانت ‫، ولازالت‫ ‫، مدوخة الفيزيائيين علي مدي عقود سابقة‫.‫ والتساؤلات التي أجابت عنها النظرية ‫(‫أو علي الأقل فتحت أبواب الإجابة‫)‫ من الكم ومن الكيف بحيث يعتقد الكثيرين إنه مش معقول نظرية تجيب علي كل ذلك وتطلع في الأخر غلط‫.‫ يعني هي مش بتجاوب علي سؤال ولا إتنين ‫، لأ ‫، دي تقريباً بتحل كل مشاكل الفيزياء الأساسية (‫‫النظرية متواترة يعني وليست أحاد)‫‫.‫

طيب هي إيه بقي نظرية الأوتار الفائقة دي‫؟ وإيه بعض الأسئلة إلي بتجاوب عليها‫‫؟

علشان نجاوب علي السؤال ده لازم نرجع لفترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين‫.‫ في الفترة دي كان فيه ‫"‫إنفجار‫"‫ من الأبحاث والتجارب لدراسة المادة تحت المستوي الذري‫.‫
Subatomic particles
يعني هي دي الفترة إلي درسنا فيها وبعمق لم يسبق له مثيل خواص الإلكترونات والكواركات والنيوترونات وغيرها من الجزيئات‫.‫ كانت العصر الذهبي لما نسميه اليوم ب‫"‫النموذج المعياري‫"‫ أو ‫"‫النموذج القياسي‫"‫‫‫.‫ ‫وكما تحدثنا سابقاً هنا وهنا ، فأن نجاح هذا النموذج لوصف صفات الجزيئات دون الذرية كان نجاحاً ساحقاً ماحقاً ‫، ونظرياته ‫(‫‫خاصة نظرية المجال الكهرومغناطيسية الكَّمي)‫ هي أنجح وأدق نظريات الفيزياء من أيام ما قالوا ‫"‫يالا بينا فيزياء‫‫"‫.‫

لكن علي الرغم من هذا النجاح فأن النموذج القياسي به مشاكل ‫كتيرة ‫، وبدا للجميع أن بعض أهم هذه المشاكل تنبع من أصل واحد فقط‫ ‫، ألا وهو إن النموذج بيفترض أن الجزيئات تحت الذرية لا حجم لها ولا أبعاد ‫، يعني هي عبارة عن نقاط بلا طول أو عرض أو إرتفاع‫.‫ وعلي ما يتراءي لنا بالتكنولوجيا المتوفرة ‫، فأن هذه الفرضية تؤكدها التجربة‫.‫ يعني مافيش أي تجربة إلي الأن تسجل أي أبعاد لهذه الجزيئات ‫، كلها مجرد نقاط طايرة في الفراغ‫.‫
Mathematical points with zero size
ماشي كويس ‫، وماله ‫، نقاط نقاط‫.‫ مش المهم إن النظرية شغالة كويس‫؟ خلاص تبقي نقاط ‫، ربنا خلقها كدة‫.‫ إيه بقي‫؟
ماكانش فيه مانع من إنها تفضل نقاط إلي أن يثبت عكس ذلك ‫، لولا أن بعض النتائج المترتبة علي هذه الفرضية كانت مرعبة‫.‫ يعني من أهم نتائج فرضية النقاط دي هو ظهور ما لا يمكن وصفه بأقل من أنه ‫"‫مالانهايات‫"‫ في المعادلات الرياضية‫.‫ يعني إيه‫؟ يعني تيجي سيادتك كدة تحل شوية معادلات من بتوع النموذج المعياري ‫"‫الكالكيولاتر‫"‫ بتاعك يعترض ويديلك نتيجة غير معرفة ‫(‫‫يعني لو يطول يشتم حيشتم)‫‫.‫ وحكاية ظهور مالانهايات في المعادلات دي كانت معروفة مسبقاً إنها دليل إن الحسابات يا إما خاطئة ‫، يا إما جاية من فرضيات خاطئة‫.‫ يعني ظهور المالانهايات بيقولنا إن النظرية إلي شغالين بيها غلط‫.‫ بس المشكلة بقي إنها في الحالة دي أكيد مش غلط ‫، وإنها في حسابات أخري بتدي النتايج الصحيحة تماماً والمتوقعة ‫، وزي ما قلنا أدق نظرية في تاريخ النظريات‫.‫ طيب إيه التناقض ده‫؟ هي غلط ولا مش غلط‫؟ ولو صح المالانهايات دي معناها إيه‫؟ لازم ليها معني ‫، لازم ليها حل‫.‫

في الأول طلعوا علينا بحل مؤقت ‫، بعض العلماء الأفاضل إكتشفوا إننا ممكن ‫"‫نكنس‫"‫ المالانهايات دي تحت السجادة ‫‫، يعني نسيبها موجودة ‫(‫‫لأننا ما نقدرش نشيلها)‫ بس نخبيها عن الأنظار ونستعبط ولا كأننا واخدين بالنا‫.‫ طريقة ‫"‫الكنس‫"‫ دي هي عملية رياضية معقدة ‫(‫‫كانت بتجيبلي صداع في الجامعة)‫ إسمها عملية ال
Renormalization
وصدقني ماعرفلهاش ترجمة ‫، لو حد يعرف يترجمها ياريت يقولي‫.‫

‫(‫‫إقترح بعض الأصدقاء الترجمات التالية‫: د‫.‫ طاهر الدمرداش‫: الانضباط ‫، أحمد رضا‫: اعادة تطبيع او اعادة ملائمه ‫، منعم زريوحي‫: اعادة التعيير)‫
يبقي إحنا كدة عندنا حل مؤقت ‫، لو إنت قاعد بتحل في معادلات النموذج المعياري وطلعتلك واحدة من المالانهايات دي ‫، إفتح كتاب ‫"‫الرينورماليزيشين‫"‫ وطبق معادلاته حتلاقي المالانهايات راحت ‫(‫‫وعلي رأي الحكيم‫: ‫"‫‫كان عندك مالانهاية وراحت"‫)‫‫.‫ دي مش بس راحت ‫، ده كمان لما تكمل الشغل بعد كدة حتوصل للإجابات الصحيحة التي تؤكدها التجربة!‏!‏!‏ يعني كأن الشغل صح ‫، هو بس كان فيه في السكة مطب ‫، عدينا فوقيه بصَنْعِة لطافة من غير ما نكسر العربية وكملنا في طريقنا ووصلنا بالسلامة‫.‫ لكن المطب موجود ‫، ماراحش ‫، إحنا بس إتعلمنا إزاي نتفاداه‫.‫ ويبقي السؤال‫: هو المطب ده موجود ليه‫؟ أكيد حد حطه علشان يخبي بيه حاجة تحتيه‫.‫ وأكيد أكيد الحاجة دي هي مشكلة النقاط المذكورة أعلاه‫.‫ يعني أصل المطب هو فرضيتنا أن الجزيئات الأساسية لا أبعاد لها‫.‫

https://s3.amazonaws.com/lowres.cartoonstock.com/business-commerce-sweep_it_under_the_carpet-personal_problems-carpets-therapists-therapy-rde9502_low.jpg 


وهنا بقي تدخل نظرية الأوتار‫.‫

 النظرية بتحل المشكلة ‫ بأن بتفترض أن كل الجزيئات التحت ذرية هذه ليست في الواقع نقاط ‫، ولكنها ‫"‫أوتار‫"‫ ‫، خيوط دقيقة جداً جداً طايرة في الفراغ وتصطدم وتتفاعل مع بعضها البعض‫.‫ وأن كل الجزيئات هي في الواقع نفس نوع الوتر ‫، وتر واحد ‫، ولكن لأنه وتر ‫، فبإمكانه أن يتذبذب زي أوتار الكمنجة‫.‫ خلي بالك معايا من النقطة المهمة دي‫.‫‫ وتر الكمان لما يتذبذب يديك صوت ‫، وكل مرة يتذبذب بطريقة مختلفة يديك صوت مختلف‫.‫ يعني العازف يشده بطريقة تسمع ‫"‫دووووو‫"‫ ‫، يشده بطريقة تانية تسمع ‫"‫صووووول‫"‫ وهكذا‫.‫ الأوتار بتاعتنا بقي لما تتذبذب بطرق مختلفة تديك جزيئات مختلفة!‏!‏ يعني ذبذبة معينة تديك إلكترون ‫، وذبذبة أخر ‫(‫‫لنفس الوتر)‫ تديك فوتون أو نيوترينو أو أو‫.‫


http://images.iop.org/objects/ccr/cern/39/3/11/quantum1_4-99.gif

الأوتار نوعان ‫، نوع مفتوح ونوع مغلق كالحلقة

 
نفس الوتر‫؟

أيوه نفسه ‫، هو هو ‫، بس بيتذبذب بطرق مختلفة‫.‫

ده إيه الحلاوة دي!‏ بعد ما كان عندنا عشرات الأنواع من الجزيئات بصفات مختلفة ‫، عندنا دلوقتي وتر واحد متعدد الصفات‫.‫ حاجة جميلة ‫، طب وبعدين‫؟ الجمال لوحده مش كفاية ‫، هل الفرضية الوترية دي بتحل مشكلة المالانهايات‫؟
أيون!‏!‏
أول ما سيادتك تقعد تشتغل في النظرية كل الحسابات إلي كانت بتديك مالانهايات قبل كدة تختفي ولا كأنه سحر!‏!‏ المطب فجأة إختفي (‫‫‫"‫‫كان عندك مطب وراح"‫)‫‫.‫ واللطيف في الموضوع إن الشكل الوتري هو الشكل الوحيد إلي يحل المشكلة‫.‫ يعني ما ينفعش تيجي تفترض إنه شكل تاني والمشكلة تتحل برضه‫.‫ لأ ‫، ده حل متميز ومتفرد ومافيش غيره‫.‫ ومن غير ‫"‫‫‫رينورماليزيشين‫"‫‫.‫


  طيب هايل‫.‫ إيه بقي مشاكل تانية بتحلها نظرية الأوتار الفائقة‫؟ فيه مشكلة كبيرة معروفة من زمان وهي مشكلة الجاذبية‫ الكمومية.‫
Quantum gravity
زي ما إتكلمنا قبل كدة في مقالات النموذج المعياري ‫، فأن قوة الجاذبية هي القوة الوحيدة إلي مالهاش توصيف كمومي ‫، يعني من ناحية ميكانيكا الكم‫.‫ كل القوي الأخري في الطبيعة ليها توصيف كمومي لكن الجاذبية لأ‫.‫ ليه‫؟ ماحاولناش نحل المشكلة دي ليه قبل كدة‫؟ الحقيقة الناس حاولت‫.‫ إلي عملوه إنهم بصوا علي النموذج المعياري وشافوا إزاي عملنا توصيف كمومي للقوي الأخري وحاولوا يطبقوا نفس الطريقة علي الجاذبية‫.‫ لكن حصل مشاكل كتير ‫، من أهمها إن لما بنحاول نعمل كدة ‫، بنلاقي مالانهايات بتظهر برضه ‫، لكن المالانهايات المرادي مالهاش حل ومالهاش كنس ‫، يعني طريقة ‫"‫‫الرينورماليزيشين‫"‫ مش نافعة معاها‫.‫ المطب أكبر من أن يزال ببساطة‫.‫ لكن نظرية الأوتار جت برضه حلت المشكلة دي‫.‫ أحد تذبذبات الوتر بتاعنا بتدي جزيء يحمل كل خواص الجاذبية المطلوبة ‫‫‫، بيسموه ‫"‫الجراڤيتون‫"‫ ‫، نسبة إلي الجاذبية ‫"‫‫Gravity"‫ ، وبدون مشاكل مالانهايات ولا بتاع‫.‫ يعني نظرية الأوتار كأنها فجأة بتوحد كل قوي الطبيعة في فكرة واحدة‫: كل المادة المحيطة بنا مكونة من وتر من نوع واحد لكن بيظهر لنا بصور مختلفة طبقاً لخواصه‫‫.‫
‫(‫‫نقطة صغننة‫ مش مهمة قوي لموضوعنا: جزيئات الجاذبية أوتار مقفولة ‫، يعني حلقات ‫، لكن أوتار الجزيئات الأخري مفتوحة كوتر الكمان)‫‫.‫

يا سلام يا جدعان‫.‫ بضربة رجلٍ واحد حلينا كل مشاكل النموذج المعياري‫.‫ وضيف علي ما ذكرنا مشاكل أخري مثل لماذا الجاذبية ضعيفة بالمقارنة بالقوي الأخري‫؟ إيه إلي بيحصل داخل الثقوب السوداء ‫(‫‫مش محلولة قوي بس شغال)‫ ‫، إحتمالات حلول لمشاكل أخري مثل مشاكل الطاقة المظلمة والمادة المظلمة وهكذا‫.‫ ده غير المشاكل الرياضية كما أسلفنا‫.‫

طيب زي الفل ‫، كدة إلي حد ما إبتدينا نفهم ليه نظرية الأوتار الفائقة ‫(‫‫حتة ‫"‫‫الفائقة"‫ دي عايزة مقال لوحدها)‫ مثيرة لإهتمام العلماء وكتير بيشتغلوا فيها علي الرغم من عدم وجود أي تجربة معملية إلي اليوم‫.‫

لكن هل النظرية مافيهاش مشاكل‫؟ فيها ‫، أكيد فيها ‫، لكن الشيء المذهل أن محاولات حل هذه المشاكل أدت بينا إلي إفتراضات أخري تتميز بالكثير من الجمال والمتعة ‫، يعني فجأة لقينا نفسنا بنتكلم في أبعاد أخري ‫، وأكوان موازية ‫، وعالم جديد وكبير جداً لا يمكن وصفه بأقل من أنه ‫"‫‫الخيال العلمي متجسداً في صورة رياضيات جميلة"‫‫.‫ بس الحاجات دي محتاجة مقال تاني‫.‫ أشوفكوا علي خير‫.‫

بعض المصادر‫:
https://nasainarabic.net/education/articles/view/string-theory-newton-einstein-and-beyond

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%AA%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%82%D8%A9



http://images.fineartamerica.com/images-medium-large/art-representing-superstrings-mehau-kulyk.jpg

هناك 3 تعليقات:

  1. تبسيط رائع، و عرض جميل متمكن، تحياتى يا دكتور

    ردحذف
  2. الشكر لك دكتور

    ردحذف
  3. المعرفة فـِ أبهى صورها
    amazing!

    ردحذف