فيه فرع عملاق في الفيزياء إسمه "نظرية الأوتار الفائقة" أو
Superstring Theory
وكتير من العلماء إلي بيشتغلوا فيها كتبوا كتب وعملوا ڤيديوهات بتشرح النظرية بلغة بسيطة ، زي مثلاً البرنامج التليڤزيوني الشهير "الكون الأنيق"
القائم علي كتاب بنفس الإسم للفيزيائي المعروف "بريان جرين"
Brian Greene
(البرنامج أكثر من رائع وأنصح به بشدة ، مش بس في ما يختص بنظرية الأوتار ولكنه يتجول في جزء كبير من الفيزياء الحديثة بما في ذلك النسبية وميكانيكا الكم. وهو متوفر في الرابط أعلاه ببلاش ، وأعتقد أن هناك نسخ مترجمة للعربية علي يوتيوب). مشكلة بعض هذه الكتب والبرامج إنها يمكن تدي إنطباع للقاريء والمتفرج إن "الأوتار الفائقة" نظرية فيزيائية محسومة ومنتهية وتعبر عن الطبيعة بما لا يقبل مجالاً للشك. للأسف مش هي دي الحقيقة. نظرية الأوتار لازالت إلي حد كبير في نطاق الفرض النظري الغير مدعوم بمشاهدات أو تجارب معملية. ولأول مرة في تاريخ العلوم نجد فرضية غير مثبتة تتمع بقدر كبير جداً جداً من الإهتمام من العلماء وذلك علي مدي ما يقرب من خمسين سنة من بداياتها (حوالي سنة 1969).
خمسيييين سنة؟ يا نهاري! فكرة علمية لا إثبات لها ولا تجارب فيها تعيش المدة دي كلها ليه؟ إيه إلي مخلي ناس كتير متمسكين بيها علي الرغم من معرفتهم أنها ليست إلا فرضية غير محسومة؟ إيه إلي مخليهم يقولوا زي ما قال إدوارد ويتن (من كبار الباحثين في النظرية) أنها "نظرية مستقبلية صحيحة ألقيت علينا من المستقبل ولا نستطيع إثباتها فقط لأن التكنولوجيا لم تتوفر بعد"؟ ولا واحد زي شلدون جلاشو يوصفها بأنها "اللعبة الوحيدة ومافيش غيرها (يعني ماحدش يلعب حاجة تانية)"؟ في العادي أي فرضية تقعد مدة طويلة زي كدة من غير إثباتات معملية بتهمل ، أو علي الأقل بتتشال علي الرف وماتلاقيش ناس كتير بتبحث فيها إلي أن يتغير الوضع. لكن الحكاية هنا مختلفة تماماً ، وهناك علماء عديدين ، منهم أسماء كبيرة ، بيشتغلوا فيها بمنتهي الشغف ، وعمالين يطلعوا بحث ورا بحث بلا كلل ولا ملل (أنا منهم ، بشتغل في جزء صغير علي قدي).
طيب ليه كل الإهتمام ده؟ عروستي؟
الإجابة المختصرة هي إن نظرية الأوتار الفائقة نتج عنها إجابات (نظرية) عن تساؤلات كتير جداً كانت ، ولازالت ، مدوخة الفيزيائيين علي مدي عقود سابقة. والتساؤلات التي أجابت عنها النظرية (أو علي الأقل فتحت أبواب الإجابة) من الكم ومن الكيف بحيث يعتقد الكثيرين إنه مش معقول نظرية تجيب علي كل ذلك وتطلع في الأخر غلط. يعني هي مش بتجاوب علي سؤال ولا إتنين ، لأ ، دي تقريباً بتحل كل مشاكل الفيزياء الأساسية (النظرية متواترة يعني وليست أحاد).
طيب هي إيه بقي نظرية الأوتار الفائقة دي؟ وإيه بعض الأسئلة إلي بتجاوب عليها؟
علشان نجاوب علي السؤال ده لازم نرجع لفترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. في الفترة دي كان فيه "إنفجار" من الأبحاث والتجارب لدراسة المادة تحت المستوي الذري.
Subatomic particles
يعني هي دي الفترة إلي درسنا فيها وبعمق لم يسبق له مثيل خواص الإلكترونات والكواركات والنيوترونات وغيرها من الجزيئات. كانت العصر الذهبي لما نسميه اليوم ب"النموذج المعياري" أو "النموذج القياسي". وكما تحدثنا سابقاً هنا وهنا ، فأن نجاح هذا النموذج لوصف صفات الجزيئات دون الذرية كان نجاحاً ساحقاً ماحقاً ، ونظرياته (خاصة نظرية المجال الكهرومغناطيسية الكَّمي) هي أنجح وأدق نظريات الفيزياء من أيام ما قالوا "يالا بينا فيزياء".
لكن علي الرغم من هذا النجاح فأن النموذج القياسي به مشاكل كتيرة ، وبدا للجميع أن بعض أهم هذه المشاكل تنبع من أصل واحد فقط ، ألا وهو إن النموذج بيفترض أن الجزيئات تحت الذرية لا حجم لها ولا أبعاد ، يعني هي عبارة عن نقاط بلا طول أو عرض أو إرتفاع. وعلي ما يتراءي لنا بالتكنولوجيا المتوفرة ، فأن هذه الفرضية تؤكدها التجربة. يعني مافيش أي تجربة إلي الأن تسجل أي أبعاد لهذه الجزيئات ، كلها مجرد نقاط طايرة في الفراغ.
Mathematical points with zero size
ماشي كويس ، وماله ، نقاط نقاط. مش المهم إن النظرية شغالة كويس؟ خلاص تبقي نقاط ، ربنا خلقها كدة. إيه بقي؟
ماكانش فيه مانع من إنها تفضل نقاط إلي أن يثبت عكس ذلك ، لولا أن بعض النتائج المترتبة علي هذه الفرضية كانت مرعبة. يعني من أهم نتائج فرضية النقاط دي هو ظهور ما لا يمكن وصفه بأقل من أنه "مالانهايات" في المعادلات الرياضية. يعني إيه؟ يعني تيجي سيادتك كدة تحل شوية معادلات من بتوع النموذج المعياري "الكالكيولاتر" بتاعك يعترض ويديلك نتيجة غير معرفة (يعني لو يطول يشتم حيشتم). وحكاية ظهور مالانهايات في المعادلات دي كانت معروفة مسبقاً إنها دليل إن الحسابات يا إما خاطئة ، يا إما جاية من فرضيات خاطئة. يعني ظهور المالانهايات بيقولنا إن النظرية إلي شغالين بيها غلط. بس المشكلة بقي إنها في الحالة دي أكيد مش غلط ، وإنها في حسابات أخري بتدي النتايج الصحيحة تماماً والمتوقعة ، وزي ما قلنا أدق نظرية في تاريخ النظريات. طيب إيه التناقض ده؟ هي غلط ولا مش غلط؟ ولو صح المالانهايات دي معناها إيه؟ لازم ليها معني ، لازم ليها حل.
في الأول طلعوا علينا بحل مؤقت ، بعض العلماء الأفاضل إكتشفوا إننا ممكن "نكنس" المالانهايات دي تحت السجادة ، يعني نسيبها موجودة (لأننا ما نقدرش نشيلها) بس نخبيها عن الأنظار ونستعبط ولا كأننا واخدين بالنا. طريقة "الكنس" دي هي عملية رياضية معقدة (كانت بتجيبلي صداع في الجامعة) إسمها عملية ال
Renormalization
وصدقني ماعرفلهاش ترجمة ، لو حد يعرف يترجمها ياريت يقولي.
(إقترح بعض الأصدقاء الترجمات التالية: د. طاهر الدمرداش: الانضباط ، أحمد رضا: اعادة تطبيع او اعادة ملائمه ، منعم زريوحي: اعادة التعيير)
(إقترح بعض الأصدقاء الترجمات التالية: د. طاهر الدمرداش: الانضباط ، أحمد رضا: اعادة تطبيع او اعادة ملائمه ، منعم زريوحي: اعادة التعيير)
يبقي إحنا كدة عندنا حل مؤقت ، لو إنت قاعد بتحل في معادلات النموذج المعياري وطلعتلك واحدة من المالانهايات دي ، إفتح كتاب "الرينورماليزيشين" وطبق معادلاته حتلاقي المالانهايات راحت (وعلي رأي الحكيم: "كان عندك مالانهاية وراحت"). دي مش بس راحت ، ده كمان لما تكمل الشغل بعد كدة حتوصل للإجابات الصحيحة التي تؤكدها التجربة!!! يعني كأن الشغل صح ، هو بس كان فيه في السكة مطب ، عدينا فوقيه بصَنْعِة لطافة من غير ما نكسر العربية وكملنا في طريقنا ووصلنا بالسلامة. لكن المطب موجود ، ماراحش ، إحنا بس إتعلمنا إزاي نتفاداه. ويبقي السؤال: هو المطب ده موجود ليه؟ أكيد حد حطه علشان يخبي بيه حاجة تحتيه. وأكيد أكيد الحاجة دي هي مشكلة النقاط المذكورة أعلاه. يعني أصل المطب هو فرضيتنا أن الجزيئات الأساسية لا أبعاد لها.
وهنا بقي تدخل نظرية الأوتار.
النظرية بتحل المشكلة بأن بتفترض أن كل الجزيئات التحت ذرية هذه ليست في الواقع نقاط ، ولكنها "أوتار" ، خيوط دقيقة جداً جداً طايرة في الفراغ وتصطدم وتتفاعل مع بعضها البعض. وأن كل الجزيئات هي في الواقع نفس نوع الوتر ، وتر واحد ، ولكن لأنه وتر ، فبإمكانه أن يتذبذب زي أوتار الكمنجة. خلي بالك معايا من النقطة المهمة دي. وتر الكمان لما يتذبذب يديك صوت ، وكل مرة يتذبذب بطريقة مختلفة يديك صوت مختلف. يعني العازف يشده بطريقة تسمع "دووووو" ، يشده بطريقة تانية تسمع "صووووول" وهكذا. الأوتار بتاعتنا بقي لما تتذبذب بطرق مختلفة تديك جزيئات مختلفة!! يعني ذبذبة معينة تديك إلكترون ، وذبذبة أخر (لنفس الوتر) تديك فوتون أو نيوترينو أو أو.
الأوتار نوعان ، نوع مفتوح ونوع مغلق كالحلقة
نفس الوتر؟
أيوه نفسه ، هو هو ، بس بيتذبذب بطرق مختلفة.
ده إيه الحلاوة دي! بعد ما كان عندنا عشرات الأنواع من الجزيئات بصفات مختلفة ، عندنا دلوقتي وتر واحد متعدد الصفات. حاجة جميلة ، طب وبعدين؟ الجمال لوحده مش كفاية ، هل الفرضية الوترية دي بتحل مشكلة المالانهايات؟
أيون!!
أول ما سيادتك تقعد تشتغل في النظرية كل الحسابات إلي كانت بتديك مالانهايات قبل كدة تختفي ولا كأنه سحر!! المطب فجأة إختفي ("كان عندك مطب وراح"). واللطيف في الموضوع إن الشكل الوتري هو الشكل الوحيد إلي يحل المشكلة. يعني ما ينفعش تيجي تفترض إنه شكل تاني والمشكلة تتحل برضه. لأ ، ده حل متميز ومتفرد ومافيش غيره. ومن غير "رينورماليزيشين".
طيب هايل. إيه بقي مشاكل تانية بتحلها نظرية الأوتار الفائقة؟ فيه مشكلة كبيرة معروفة من زمان وهي مشكلة الجاذبية الكمومية.
Quantum gravity
زي ما إتكلمنا قبل كدة في مقالات النموذج المعياري ، فأن قوة الجاذبية هي القوة الوحيدة إلي مالهاش توصيف كمومي ، يعني من ناحية ميكانيكا الكم. كل القوي الأخري في الطبيعة ليها توصيف كمومي لكن الجاذبية لأ. ليه؟ ماحاولناش نحل المشكلة دي ليه قبل كدة؟ الحقيقة الناس حاولت. إلي عملوه إنهم بصوا علي النموذج المعياري وشافوا إزاي عملنا توصيف كمومي للقوي الأخري وحاولوا يطبقوا نفس الطريقة علي الجاذبية. لكن حصل مشاكل كتير ، من أهمها إن لما بنحاول نعمل كدة ، بنلاقي مالانهايات بتظهر برضه ، لكن المالانهايات المرادي مالهاش حل ومالهاش كنس ، يعني طريقة "الرينورماليزيشين" مش نافعة معاها. المطب أكبر من أن يزال ببساطة. لكن نظرية الأوتار جت برضه حلت المشكلة دي. أحد تذبذبات الوتر بتاعنا بتدي جزيء يحمل كل خواص الجاذبية المطلوبة ، بيسموه "الجراڤيتون" ، نسبة إلي الجاذبية "Gravity" ، وبدون مشاكل مالانهايات ولا بتاع. يعني نظرية الأوتار كأنها فجأة بتوحد كل قوي الطبيعة في فكرة واحدة: كل المادة المحيطة بنا مكونة من وتر من نوع واحد لكن بيظهر لنا بصور مختلفة طبقاً لخواصه.
(نقطة صغننة مش مهمة قوي لموضوعنا: جزيئات الجاذبية أوتار مقفولة ، يعني حلقات ، لكن أوتار الجزيئات الأخري مفتوحة كوتر الكمان).
يا سلام يا جدعان. بضربة رجلٍ واحد حلينا كل مشاكل النموذج المعياري. وضيف علي ما ذكرنا مشاكل أخري مثل لماذا الجاذبية ضعيفة بالمقارنة بالقوي الأخري؟ إيه إلي بيحصل داخل الثقوب السوداء (مش محلولة قوي بس شغال) ، إحتمالات حلول لمشاكل أخري مثل مشاكل الطاقة المظلمة والمادة المظلمة وهكذا. ده غير المشاكل الرياضية كما أسلفنا.
طيب زي الفل ، كدة إلي حد ما إبتدينا نفهم ليه نظرية الأوتار الفائقة (حتة "الفائقة" دي عايزة مقال لوحدها) مثيرة لإهتمام العلماء وكتير بيشتغلوا فيها علي الرغم من عدم وجود أي تجربة معملية إلي اليوم.
لكن هل النظرية مافيهاش مشاكل؟ فيها ، أكيد فيها ، لكن الشيء المذهل أن محاولات حل هذه المشاكل أدت بينا إلي إفتراضات أخري تتميز بالكثير من الجمال والمتعة ، يعني فجأة لقينا نفسنا بنتكلم في أبعاد أخري ، وأكوان موازية ، وعالم جديد وكبير جداً لا يمكن وصفه بأقل من أنه "الخيال العلمي متجسداً في صورة رياضيات جميلة". بس الحاجات دي محتاجة مقال تاني. أشوفكوا علي خير.
بعض المصادر:
https://nasainarabic.net/education/articles/view/string-theory-newton-einstein-and-beyond
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%B8%D8%B1%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%AA%D8%A7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%82%D8%A9