عنوان غريب مش كده؟
عنوان يمكن غير متوقع لمقال أنا كاتبه ، لأني لطالما هاجمت من يدعون أنهم إكتشفوا أخطاء في نظريات أينشتاين ، فجاي النهارده أكتب مقال عنوانه "غلطة أينشتاين"؟
أنا يمكن إتجننت؟
وارد طبعاً إني أكون مجنون (حتي إسألوا المدام) ، بس مش بسبب المقال ده ، المقال النهاردة مش علي تحطيم النسبية علي يد طالب ثانوي ، المقال النهاردة عن غلطة حقيقية إرتكبها أينشتاين ورجع هو نفسه تداركها. ده مش بس كده ده كمان سماها "غلطتي الكبيرة"
My biggest blunder
أه طبعاً ، أينشتاين ماهواش إله ، أكيد كان بني أدم وبيغلط ، ولكن الفرق بين العالم الحقيقي وبين المزيف هو إن العالم الحقيقي أول من يعترف بخطأه ، بل أحياناً كمان يكون سعيد بذلك لأن هدفه ليس إعلاء رأيه ولكن هدفه هو الوصول للحقيقة.
طب إيه رأيك عزيزي القاريء إن مش بس أينشتاين غلط ورجع في كلامه ، ده الألعن من كده إن بعد خمسين سنة من وفاة أينشتاين إكتشف العلماء إن غلطة أينشتاين الكبيرة ما كانتش غلطة في الأصل ، لكن الغلطة الحقيقية هي في تدارك ..... "الغلطة". يعني بإختصار أينشتاين عمل حاجة معينة ، رجع بعد كدة شالها وقال سوري كانت غلطة ، لكن إحنا النهاردة بنعتقد إن الحاجة دي ما كانتش غلطة من الأصل!!
حدوتة كبيرة ، وموضوع مهم ، ومن أهميته بيأثر في فهمنا للكون كله علي بعض.
الحكاية كالأتي: أينشتاين في سنة 1916 نشر نظرية النسبية العامة ، وهذه النظرية ، زي ما أوضحنا هنا ، بتحدد شكل الزمان والمكان ، أو ما يسمي "الزمكان" ، طبقاً لوجود المادة فيه. ومن ضمن أهم معادلات هذه النظرية ، معادلة إسمها "معادلة أينشتاين للمجال"
Einstein's field equation
والمعادلة تركيبها الرياضي كالتالي:
سهلة مش كده؟ الحقيقي هي مش سهلة لكن شكلها كدة بس. عموماً مايهمنيش دلوقتي نفهم تفاصيل هذه المعادلة أو إزاي تتحسب ، كل إلي يهمني معناها العام. علي يسار المعادلة يوجد الكمية G وإسمها "تنسور أينشتاين"
Einstein's tensor
وهي كمية بتحدد شكل الزمكان إذا كان مستوي أو منحني وماهي مقدار إنحناءه.
وعلي اليمين نري الكمية T وإسمها "تنسور الطاقة والزخم"
Energy momentum tensor
وهي كمية بتحدد محتوي الزمكان من مادة وطاقة. مش مهم التفاصيل ومش مهم يعني إيه تنسور ، المعني العام فقط هو إلي يهمني ، ومعني المعادلة كالتالي:
الفراغ الزمكاني من حولنا ينحني ويتقوس بوجود المادة والطاقة ، كما شرحنا في السابق ، ومقدار إنحناءه G يتساوي مع محتوي الطاقة والمادة الموجودة T
يعني إيه؟ يعني لو مافيش مادة خالص ، بمعني
يصبح الفراغ مستوياً وغير منحنياً:
ولو فيه مادة بمقدار T ، ينحني ويتقوس الفراغ بمقدار G
حلو الكلام؟
كلام جميل.
جه أينشتاين بقي قالك إيه؟ قالك أنا ممكن أطبق المعادلة بتاعتي دي علي زمكان الكون كله علي بعضه. إحنا عندنا تقدير لشكل المادة والطاقة في الكون ولذلك عندنا تقدير للكمية T بتاعة الكون كله ، نقدر نحط T في المعادلة ونحسب الكون شكله عامل إيه.
(ملحوظة جانبية: واخد بالك عزيزي القاريء من قوة رياضيات النسبية؟؟ الراجل مسك ورقة وقلم وقعد يحسب شوية حسابات يستنتج منها الكون كله ، كله ، كووووووله ، شكله إيه!! ده إيه العظمة دي يا عم أينشتاين ، أتاريهم عايزين يحطموك يا أخي. ما علينا ، نرجع لموضوعنا)
أينشتاين بعد ما عمل حساباته إكتشف حاجة غريبة جداً ، إكتشف إن معادلاته بتقول إن الكون مستحيل يكون ثابت ، لازم يكون متحرك ، يعني لازم يكون إما بيتمدد وبيزداد إتساع ، أو بينكمش وبيزداد ضيق ، لكن المعادلات كانت واضحة وصريحة إنه مستحيل يكون الكون بتاعنا ثابت في الحجم!
أياميها الموضوع ده ما عجبش عمك ألبرت ، كان حاسس إنه مش منطقي ، ومافيش أي دليل فلكي بيقول إن الكون بيتمدد أو بينكمش ، فأينشتاين قالك يبقي المعادلة بتاعتي غلط ، أكيد ناقصها حتة. طيب إيه الحتة إلي لو أضفتها للمعادلة تكون النتيجة كون غير متحرك؟ لقي إن التعديل لازم يكون كالأتي:
بإضافة الكمية ، وهي حرف يوناني ينطق "لامدا"
Lambda
والb ساكنة. الكمية "لامدا" دي كمية ثابتة ، أطلق عليها أينشتاين إسم "الثابت الكوني"
Cosmological constant
وماكانش عارف قيمتها إيه ، لكن كان عارف إن معادلته محتاجاها علشان لما ييجي يحسب شكل الكون يطلع ثابت وغير متحرك. أما معناها الفيزيائي فهو إن فيه كمية مادة أو طاقة إضافية معينة بتعمل إتزان للكون وبتلغي أو بتقلل تأثير المادة والطاقة العادية المتمثلة في T ، فينتج عن ذلك إتزان ولا يتمدد الكون ولا ينكمش ولكن يظل حجمه ثابتاً. صحيح هو إتزان غير مستقر ، يعني علي الحركرك كده زي كرة شايلها بطرف صباعك
لكنه إتزان ، وأحسن من مافيش ، كما فكر أينشتاين.
خلي بالك الكلام ده كله كان حوالي سنة 1917
إلي حصل بقي إن حوالي سنة 1929 جه واحد فلكي (بتاع علم الفلك الastronomy ، مش فلكي يعني بيقرا البخت) إسمه إدوين هابل
وإكتشف عن طريق الرصد إن الكون بتاعنا ككل ليس ثابتاً ، ولكنه في الواقع يتمدد ، وتتباعد المسافات بين مجراته وأجرامه.
أوپاااااااا
يعني تنبؤ معادلات أينشتاين الأصلي كان صح ، والثابت الكوني ماكانش ليه لازمة.
طبعاً أينشتاين علشان عالم محترم تقبل النتيجة وجري علي معادلاته ورمي الثابت الكوني في الزبالة ، ورجع المعادلات الأصلية ، وقالك "سوري يا شباب ، أنا غلطت ، أسوأ غلطة في حياتي".
خلي بالك دي مش مجرد غلطة ، لأ دي فرصة ضائعة كمان ، لأن أينشتاين لو كان وثق في معادلاته الأصلية كان تنبأ بتمدد الكون ، مزيداً من المجد ، قال يعني هو كان ناقص مجد أصلاً.
بس يا سيدي وعدي الزمن وعدت السنين ، من وقت للتاني كدة يطلع ناس يجيبوا سيرة الثابت الكوني كمجرد نوع من الغتاتة الرياضية ليس أكتر ولكن الإتفاق العام كان إنه ثابت مالوش لازمة في معادلات أينشتاين.
لغاية سنة 1998 السنة إلي إكتشفنا فيها إكتشاف هز المجتمع الفيزيائي والفلكي بأكمله.
إكتشفنا سيادتك إن مش بس الكون بيتمدد ، لأ ده بيتسارع في التمدد ، يعني كل لحظة بتعدي بيتمدد زيادة!!
علشان تفهم غرابة هذا الإكتشاف تخيل معايا الموقف التالي: تصور وجود زنبرك في أخره كورة كما في الصورة:
والزمبرك مسموح له يتحرك أفقياً فقط. تخيل معايا إنك إديت الزنبرك ده دفعة لليمين، يعني زقيته بإيدك كدة زقة سريعة:
حيتمدد طبعاً وطوله يبتدي يزيد ، لكن علشان الزمبرك بيشد الكورة للشمال التمدد ده حتبقي سرعته بتقل ، مش بتزيد ، لغاية ما يتوقف ويمكن كمان يبتدي ينكمش تاني. تخيل بقي إنك لاحظت إنه مش بس بيتمدد ، لأ ده كمان بيتسارع في التمدد ، وعمال يطول بسرعة وأسرع وأسرع كما لو كان فيه قوة خفية عمالة تشده!!
أهو نفس الشيء في الكون كله علي بعضه ، الكون بدأ في الأولي بدفعة جامدة جداً وهي ما يسمونه "الإنفجار العظيم"
Big bang
ولذلك هو بيتمدد. لكن من المفترض إن التمدد ده سرعته تقل ، لأن الأجرام السماوية بتجذب بعضها البعض زي الزمبرك وتقلل سرعة التمدد ، ويمكن كمان الكون يتوقف وبعدين ينكمش علي بعضه. دي السيناريوهات المحتملة قبل سنة 1998 . ولذلك كان إكتشاف تسارع تمدد الكون إكتشاف عجيب ومذهل ، لأن في هذه الحالة لازم فيه قوة خفية مجهولة لنا بتدفع الكون وتزيد من تمدده!!
الإحتمالات بقي هنا حاجة من إتنين لا ثالث لهما:
إما أن نظرية أينشتاين غلط كلها علي بعضها أو علي الأقل ينقصها شيء.
إما أن هناك قوة خفية ، سميت في الأول بالقوة الخامسة ، تدفع الكون عكس إتجاه الجاذبية وتسبب تسارعه.
الإحتمال الأولاني إتدرس كتير جداً ، وهناك أبحاث كتيرة جداً نشرت تحاول تعديل النسبية لتعطي النتيجة المطلوبة ، ولسة فيه أفكار بتظهر ، لكن لا يوجد أي دليل علي صحتها.
الإحتمال الأرجح هو الإحتمال التاني ، أن هناك قوة خفية ، أو طاقة خفية ، هي السبب في تسارع الكون. ونسميها النهاردة بإسم "الطاقة المظلمة"
Dark energy
مش علشان هي مظلمة ، لكن علشان مش فاهمين مصدرها إيه لسة (فيه حاجة تانية إسمها "المادة المظلمة" Dark matter لكن دي قصة تانية مختلفة). طيب نعبر عنها رياضياً إزاي بقي الطاقة المظلمة دي؟ أي تخمينات؟
أيوه ...
قول كده ...
إتفضل ما تخافش ، إنت صح!
الله ينور عليك. هو بعينه الثابت الكوني إلي أينشتاين رماه في الزبالة مطلوب إعادة وضعه في المعادلات تاني علشان نعبر عن تأثير الطاقة المظلمة. أينشتاين كان عايز الثابت الكوني يعمل ثبات للكون ، يعني يلغي تأثير التمدد بالظبط ، لكن ما يبدو لنا أن الثابت الكوني بيعمل العكس تماماً ، ده مش بيلغي تأثير التمدد ، ده بيزود في التمدد ويوسع فيه زيادة.
طيب بس برضه الثابت الكوني ده أكيد ليه أصل. أكيد هناك مصدر ليه ماهواش حاجة محطوطة كدة علشان المعادلات تطلع صح وخلاص. أيوه ، ليه مصدر ، أو بالأصح ليه مصدر محتمل ، لكن دي قصة تانية لوحدها لأن فيها مشكلة تانية برضه. نبقي نتكلم فيها بعدين.
أدي يا سيدي قصة أينشتاين وغلطته الشهيرة إلي طلعت مش غلطة لكن الغلطة هي في إفتراض إنها غلطة :-)