في مقالات سابقة تحدثنا تفصيلاً عن العلم الزائف فوضعنا قائمة بالعلوم الزائفة ، وقائمة بأهم خصائص أخبار العلم الزائف ، ومؤخراً تحدثنا عن المنهجية العلمية الحقيقية. طيب كل هذا جميل. ولكن التساؤل الأن هو أولاً: ماهي أضرار العلم الزائف ، يعني إيه المشكلة لو سبنا إلي عايز يخرف يخرف إحنا خسرانين إيه؟ وثانياً: كيف نتعامل مع المخرفين وهل نرد عليهم؟
ممكن واحد يقولي سيب إلي يخرف يخرف ، حاطتهم في دماغك ليه؟
الحقيقة لازم أحطهم في دماغي ، وإنت كمان لازم تحطهم في دماغك ، لأن العلم الزائف مشكلته إنه بينتشر وبيتوغل زي النباتات البرية إلي بتنموا لوحدها في أحواض الزهور ، ما ينفعش أسيبها ، لازم أقتلعها من جذورها وأضمن إنها لا تنمو تاني ، وإلا الزهور حتموت ولن يتبق غير النباتات البرية. كذلك العلم الزائف ، ينمو وينتشر إلي أن يسيطر علي الساحة ولا تكاد تري غيره. ودي مشكلة قد تؤدي إلي إنهيار المنظومة الثقافية لأي دولة.
عندك الولايات المتحدة مثلاً ، صحيح أقوي دولة في العالم ، وصحيح أكتر دولة فيها حاصلين علي جائزة نوبل ، لكن إنزل كدة إتكلم مع الناس في الشارع حتكتشف إن النسبة الأعظم تتميز بمستوي جهل لا تتصوره في دولة مثل أمريكا ، والقليل منهم من يستطيع حتي أن يشير إلي مكان بلده أو ولايته في خريطة العالم. ليه حصل كدة؟ لأن علي الرغم من إرتفاع مستوي العلم الحقيقي في أمريكا فأن العلم الزائف منتشر جداً ، خاصة المتأثر بالثقافات الدينية الأصولية ، إذا صح التعبير. وللأسف فأن الإنترنت ساهمت في ذلك.
إذا كان ده الحال في أقوي دولة في العالم فما بالك ببلد زي مصر ، أو منطقة زي الشرق الأوسط ، إلي بالفعل وصلت إلي مستويات منخفضة جداً في جودة التعليم الحكومي ، وأصبح الحال من البؤس إنك لكي تضمن لأطفالك مستوي تعليمي جيد يجب أن تكون من القادرين علي دفع أرقام فلكية في مدارس خاصة. يعني من الأخر العملية مش ناقصة.
خلي بالك أنا مش طالب إن كل مواطن يكون عالم متفقه في أصول المنهجية العلمية ، كل إلي أنا طالبه إن يكون عند رجل الشارع وعي كاف للتفرقة بين الحقيقي وبين الزائف ، لأن إرتفاع الوعي سيؤدي بالضرورة إلي تراجع المخرفين وتقدم أصحاب العلم الحقيقي في وسائل الإعلام ، مم يؤدي بدوره إلي المزيد من إرتفاع الوعي الشعبي ، وشعب مثقف دائماً أفضل بكثير من ما عداه.
طيب دي أسباب ضرورة التعامل مع العلم الزائف ، نعمل معاه إيه بقي؟ لازم نتحرك علي مستوايين ، الأول هو نشر العلم الحقيقي ، سواء علي الإنترنت ، أو في الإعلام ، أو في المدارس والمنتديات الثقافية ، بل والأندية الرياضية أيضاً. وده في حد ذاته تحدي كبير. لأن معظم الناس يظنون أن العلوم شيء ممل ، ولذلك علي المثقفين إيجاد أفضل الطرق لتقريب المفاهيم وتوضيح أن العلم ليس مملاً ولكنه شيء جميل وممتع. تحدي كبير ، ولكل منا دوره المتواضع في ذلك. إكتب مقالات ، إعمل ڤيديوهات ، أنشر راية العلم الحقيقي بين أصدقاءك ومعارفك ، بداية صغيرة تتوسع وتنتشر. حتي مجرد نقلك لأخبار علمية علي پروفايلك بالفيسبوك في حد ذاته مساهمة في ذلك ، ولا تكلفك إلا مجرد "شير."
المحور التاني هو فضح العلم الزائف. ويجب أن يتم ذلك بالأسماء والتفاصيل. ووسائل التواصل الإجتماعي علي الإنترنت ليست إلا بداية صحيحة لذلك ، علي أمل الإنتشار.
طيب والمخرفين أنفسهم؟ الأشخاص بذاتهم نعمل فيهم إيه؟ الحقيقية لا أنصح مطلقاً بمواجهة المخرفين مواجهة مباشرة. وذلك لأسباب مختلفة ، أولها مثلاً أن مجرد الحوار معهم يعطيهم أهمية ، ويوحي للمشاهد ، خطأً ، إن الحوار هنا هو حوار بين نظراء ، وهو ليس كذلك. ثانياً لأن من أسلحتهم أن يتحدوك ، ولسان حالهم يقول إن رفضك للتحدي ليس إلا إنتصار لهم ، بل هم يتحدونك وهم واثقين تماماً إنك لن تستطيع هزيمتهم في الحوار ، ليس لأن معهم الحق ، ولكن للعكس تماماً ، لأن أرائهم غير قابلة للتفنيد! فهي لا تحمل في طياتها أحد مميزات العلم الحقيقي: إمكانية إثبات خطؤه. ما يسميه فلاسفة العلوم بال
Falsifiability
هذا بالإضافة إلي إن التعامل المباشر معهم لن يؤدي إلي نتيجة حتي لو كانت أراءهم قابلة للتفنيد ، لأنهم في الأصل مخرفين ، يؤمنون بأفكارهم إيماناً مطلقاً بلا دليل ، ومن المستحيل تغيير رأيهم حتي ولو أثبت لهم إن كلامهم فارغ. من الأفضل إذاً فضحهم بهدوء وبدون مواجهة. وإذا واجهوك ، أو تحدوك ، فأفضل نصيحة هي "لف وإرجع تاني." تجد عندي مثلاً في بعض كتاباتي السابقة في هذا الموضوع ، تحديات في التعليقات من مخرفين ، ولن تجد رداً مني مهما قالوا. وهذا شيء صعب مش سهل ، ولكنه أفضل بكثير من تضييع الوقت معهم.المشكلة الأخيرة في كل ذلك هي وسائل الإعلام. للأسف الشديد نجد أمام كل صحفي متميز في عمله ، عشرة لا هم لهم إلا نشر الإشاعات وأخبار العلم الزائف ، سواء كان ذلك عن جهل منهم أو إستسهال أو مجرد مجاراه للسائد. لكن الأمل موجود. هناك أنوية بالفعل لرجال صحافة محترمين يهتمون بنشر العلم الصحيح. وأمثلة مختلفة لذلك تجدها أسفل هذا الكلام في الروابط.
وأنهي كلامي بخالص تمنياتي لك عزيزي القاريء في رحلة صيد الزيف ونشر العلم. وماتنساش تبقي تقولي عملت إيه.
أمثلة لمقالات وبرامج علمية جادة تنشر العلوم الحقيقية ، مع خالص التحية للصحفيين المحترمين:
http://www.almasryalyoum.com/news/details/793060
http://www.almasryalyoum.com/news/details/776891
http://www.almasryalyoum.com/news/details/691215
http://www.almasryalyoum.com/interviews/details/5
http://www.almasryalyoum.com/news/details/690916
https://www.youtube.com/watch?v=TaI9SfzmapA
https://www.youtube.com/watch?v=nPEutY-nbXs
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق