إشتعلت اليوم وكالات الأنباء (الوكالات العالمية هي إلي إشتعلت في المعظم ، غالبية الوكالات العربية ماقالتش حاجة ، مش فاضيين ، بإستثناءات قليلة) بخبر فوز "تاكاكي كاجيتا" (من كوكب اليابان الشقيق) والكندي "أرثر ماكدونالد" (لأ مش بتاع ساندوتشات الهامبورجر) بجائزة نوبل هذا العام (2015) في الفيزياء ، عن أبحاثهم الخاصة بإثبات حاجة إسمها "تذبذبات النيوترينو". وفجأة وبدون أي سابق إنذار بقت كلمة "نيوترينو" علي كل لسان ، كل الناس (إلي عايزة تفهم) بتسأل "هو إيه ياخويا النيوترينو ده وبيتذبذب ليه كفي الله الشر؟ عيان يعني ولا صحي الصبح لقي نفسه كدة ولا إيه الحكاية؟"
النيوترينو ده قصة رائعة من قصص الفيزياء وملحمة في البحث العلمي لا نظير لها. هو جزيء صغنن جداً ينتمي لمجموعة "الجزيئات الأولية" ، زي الإلكترون والفوتون والحاجات إلي بنسمع عنها دي لما نحب نتفذلك ونعمل نفسنا فاهمين بنقول إيه. أنا كنت إتكلمت قبل كدة في الجزء الثاني من مقال "النموذج القياسي" عن موضوع الجزيئات دي ، وتحديداً لو سيادتك بصيت في الصورة إلي في المقال حتلاقي علي أقصي الشمال مش نيوترينو واحد ، لأ ده فيه تلات أنواع سيادتك ، كلهم نيوترينو. وأسماءهم مرتبطة بجزيئات تانية ، يقولك "نيوترينو الإلكترون" و"نيوترينو الميون" و"نيوترينو التاو". الأنواع دي بيسموها "نكهات" يعني flavors مفردها "نكهة". الحقيقة الموضوع مالوش علاقة بالنكهات يعني النيوترينو مالوش طعم ولا حاجة (نيوترينو بنكهة الفراولة؟) بس هي زي ما تقول كدة خفة دم من بتوع الفيزيا (ها ها ها).
طيب إيه القصة بقي؟
الحكاية إن في الثلاثينيات من القرن العشرين العلماء كانوا بيدرسوا ظاهرة المواد المشعة ، وكان من المعروف وقتها إن فيه مواد معينة بتشع إلكترونات. المشكلة ظهرت لما جم يقيسوا طاقة الإلكترونات دي لقوها ناقصة حتة. بمعني إن إحنا عارفين إن الطاقة لا تفني ولا تستحدث ، ماشي؟ فلما تيجي تعمل تجربة وإنت عارف ومتأكد لأسباب نظرية ومعملية إن ناتج التجربة محتوي الطاقة لازم يكون "كذا" وتيجي تقيسه تلاقيه "كذا إلا حتة" ، حيبقي قدامك حل من تلاتة: إما إنك فاهم غلط أو حسبت حساباتك غلط ، أو إن قانون بقاء الطاقة غلط (تف من بقك) يا إما الطاقة الناقصة راحت في حتة إنت ما أخدتش بالك منها وماشفتهاش. الأخيرة دي هي إلي العلماء إقترحوها (تحديداً "ڤولفجانج پاولي" الفيزيائي الشهير). قالك أكيد فيه جزيء جديد إحنا مش شايفينه ولا قادرين نقيس وجوده ، لا ليه شحنة كهربائية (neutral) ومالوش كتلة أو كتلته صغيرة قوي ، وضعيف كدة بيعدي في أي حاجة من غير ما حد يحس ولا أي جهاز يقدر يلقطه ، لكن بيشيل طاقة لأنه بيتحرك. وهو الجزيء ده الحرامي إلي سرق طاقة الإلكترون!
وإنتشرت الفكرة وإتشهرت ، ودخلت في المعادلات والقوانين. وأصبح الجزيء ده إسمه ال"نيوترينو" ، لأن كلمة "نيوترون" معناها جسم لا شحنة له و"نيوترينو" هي مصغر "نيوترون" بالطلياني ، يعني النيوترون البيبي (علي وزن "بامبينو" كدة). لكن فين وفين ، بعد الأحداث دي بأكتر من عشرين سنة ، لما بتوع التجارب قدروا إنهم يثبتوا وجود النيوترينو معملياً. نظراً لأنه صغير جداً وخفيف جداً ولا شحنة له ولا بيتفاعل مع أي حاجة (مالوش لازمة يعني) كان من الصعب إننا نشوفه بصورة مباشرة ، لكن التفاعلات الناتجة عن التفاعلات الناتجة عن تفاعلات النيوترينو الضعيفة جداً ممكن رؤيتها. مشكلة النيوترينو إنه بسبب خواصه الغريبة دي ممكن يعدي في أي جسم صلب من غير ما يخبط في حاجة. العلماء بيقدروا إن مليارات النيوترينو يومياً بتعدي في جسم سيادتك وفي الكرة الأرضية كلها من أولها لأخرها وهي ماشية في خط مستقيم كأنها معدية في لاشيء بالظبط! بس علي الرغم من كدة فيه إحتمال قليل قوي قوي قوي قوي قوي إنه ممكن من وقت للتاني نيوترينو يتفاعل مع شيء من المادة. علشان كدة قالك طيب إحنا حنبني تانكات مية كبيرة جداً جداً فيها ملايين الجالونات من المية ، علشان لما يعدي فيها كذا مليار نيوترينو في اليوم الإحتمالات تزيد إن واحد منهم ، واحد بس ، يتفاعل مع جزيئات المية ونشوفه. وفعلاً هو ده إلي حصل ، ولسة لحد النهاردة دي أفضل طريقة ل"رؤية" النيوترينو وعمل الأبحاث عليه.
ال"سوپر كاميوكاندي" ، تانك المية العملاق إلي "كاجيدا" إستعمله في أبحاث النيوترينو
حلو الكلام؟
كلام جميل
طيب مصدر النيوترينو ده منين؟ يعني إيه الظواهر الطبيعية إلي بتطلع نيوترينو؟ قلنا قبل كدة إن المواد المشعة بتطلع نيوترينو ، ولذلك تلاقي المفاعلات النووية هي من أهم مصادر النيوترينو علي الأرض. في الطبيعة بقي إحنا عندنا مفاعل نووي عملاق لو سيادتك بصيت في السما بالنهار حتشوفه: الشمس. التفاعلات النووية داخل الشمس بينتج عنها كميات رهيبة من النيوترينو بتنطلق في كل إتجاه وكتير منها بينزل الأرض كل يوم (أو بالأصح بتخترق الأرض كل يوم). فكان طبيعي إن العلماء يبتدو يدرسوا النيوترينو إلي جاي من الشمس في تانكات المية إياها. وفي نهاية الستينيات قاسوا كميات النيوترينو إلي جاية من الشمس وكان إكتشاف كبير ، وإديها أفراح وليالي ملاح.
ولكن
وأه من كلمة لكن
كلمة "لكن" دي في العلوم يا إما بيبقي وراها مصيبة يا إما بيبقي وراها إكتشافات أعظم وأجمل مم سبقها. في الحالة دي "لكن" كان شكلها في الأول حتطلع مصيبة لكن إنتهت بفرح. الحكاية إن كميات النيوترينو إلي جاي من الشمس طلع إنها أقل من المتوقع. يعني النظريات إلي إحنا بانيين عليها فهمنا للشمس بتقول لازم يطلع من الشمس عدد كذا نيوترينو ، لكن القياسات لقت إن إلي بيطلع هو تقريباً ثلث الكمية. طيب هو التلتين الناقصين راحوا فين؟ هو يعني النيوترينو ده دايماً صداع كدة مايجيش بالساهل أبداً؟ يكونش (تف من بقك بسرعة) النظريات إلي إحنا بانيين عليها فهمنا للشمس غلط؟ ولا يكونش النيوترينو إلي طالع من الشمس بيقع منه تلتينه في السكة؟
عشر سنين تانية عدت قبل ما نعرف الإجابة ، أو بالأصح قبل ما يبقي عندنا نظرية نعرف نشتغل بيها. في سنة 1978 علماء جامعة إستانفورد إكتشفوا تجربة جديدة شبه بتاعة التلاتينات فيها برضه كمية طاقة ناقصة ، بس المرادي الطاقة مش ناقصة من الإلكترونات ، لكن ناقصة من جزيء تاني إسمه التاو. فبعد الدراسة والأبحاث والمؤتمرات إتفقوا إن فيه نوع تاني من النيوترينو ، برضه شحنته صفر وصغنن وكتلته ضعيفة ويمكن صفر وبيسرق الطاقة ، لكن الفرق الوحيد بينه وبين النيوترينو الأولاني إنه بيسرق طاقة من التاو مش من الإلكترون. ونفس الحكاية حصلت بعدها بعشر سنين في تجارب فيها جزيء إسمه الميون. وبكدة إتضحت الرؤيا ، فيه تلات أنواع من النيوترينو ، تلات نكهات: النيوترينو الأصلي بتاع پاولي إلي أصبح إسمه "نيوترينو الإلكترون" وفيه "نيوترينو التاو" وأخيراً "نيوترينو الميون". التلاتة ليهم بالظبط نفس المواصفات لكن بيختلفوا فقط في نوعية الجزيء إلي بيسرقوا منه.
كل ده بقي علاقته إيه بالشمس والنيوترينو الناقص؟ ماهو أكيد مش صدفة يعني إن فيه تلات أنواع نيوترينو وإن الشمس بتنتج بالظبط تلت أعداد "نيوترينو الإلكترون" التوقعة. الحل النظري كان في إن الشمس بتنتج بالفعل العدد المتوقع من "نيوترينو الإلكترون" لكن في الطريق إلي الأرض بيحصل إلي بيسموه تذبذبات النيوترينو: تلت الكمية بيتحول إلي "نيوترينو تاو" والتلت الباقي بيتحول إلي "نيوترينو ميون". وده يفسر ليه إحنا بنشوف بالظبط تلت كمية النيوترينو الأصلي. المعادلات النظرية برضه بتؤكد إن لازم يكون النيوترينو ليه كتلة صغيرة قوي قوي ، وإن هو مش من الجزيئات التي لا كتلة لها.
التأكيد المعملي لهذه التذبذبات حصل حوالي سنة 1998 ، وكان نتيجة التجارب إلي عملها الفريق الياباني بقيادة "تاكاكي كاجيتا" والفريق الغربي بقيادة "أرثر ماكدونالد" ، وهي دي التجارب إلي إستحقوا عنها جايزة نوبل السنادي.
وتوتة توتة فرغت الحدوتة
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذفمقال رائع
حذفالصراحة اسلوب عرض شيق و ممتع و فعلا بتقدم معلومات قيمة شكرا ليك
ردحذفصراحة أسلوب شيق و رائع في تقديم المعلومة، أنا من المتتبعين لمقالاتك منذ البداية و قد أستفدت الكثير بارك الله فيك، بعض الصعوبة في فهم مصطلحات اللهجة المصرية لكن ماشي ههههه....واصل
ردحذفأنا لا أرى فيه أي أسلوب شيق لأنه لا يوجد فيه أي محتوى علمي هو يتحدث فقط حول نواحي اخبارية فقط فلان اخذ جائزة كذا من كذا سنة كذا من جامعة كذا ولما تجي المسألة العلمية يتكلم بعموميات فارغة لا تقدم ولا تؤخر في فهم الموضوع كأن يقول لك وجد العلماء ان النيونرينيو يختلف عن بعض في نواحي معينة وان العلماء استخدمو اجهزة معقدة لقياس كذا و انو في ظاهرة معينة اسمها كذا بتتسبب في حجب انواع معينة من النيوترينو .. هذا اسلوب شبيه باساوب البرامج الاذاعية العلمية التي تخدع المتلقي و تفهمه انها تقدم له ثقافة علمية. صحيح ان هذا قد يبدو مسليا لبغض الناس لانه يزودهم بمصطلحات تمكنهم و الثرثرة بها في اماكن مختلفة ولكنه غير مفيد اطلاقا لاي شخص يريد ان يكتسب اي ثقافة علمية حقيقية
ردحذفيا عم ..
حذفالمدونة مش عجباك.. بتضيع فيها وقتك ليه؟!!
يتقول أن المقالات مش مفيدة.. طيب ما تكتب انت مودنة و تعلمه المقالات العلمية المفيدة شكلها ايه..
ههههههههههههه
ردحذفللاخ اللي كاتب (ولكنه غير مفيد اطلاقا لاي شخص يريد ان يكتسب اي ثقافة علمية حقيقية)
الظاهر انك ماقرتش الجملة دي (خواطر شخصية ، مقالات علمية ، وأحياناً حزمبلية. من الأخر كدة إلي حييجي في بالي حكتبه)