في مقال سابق (هنا) إتكلمنا علي الثابت الكوني وكيف إنه أفضل التفسيرات الموجودة لتسارع الكون. ملخص الكلام إن الكون بتاعنا بيتمدد بدرجة متسارعة يعني بيزيد في تمدده كل لحظة ، ودي مشكلة لأن معني كدة إن فيه طاقة مجهولة في الفضاء ، بيسموها "الطاقة المظلمة" ، بتعكس تأثير الجاذبية إلي بتحاول تصغر الكون ، وبتزيد عليها و"بتزق" الكون وتزيده تمدداً.
السؤال بقي هو إيه مصدر الطاقة المظلمة دي؟
هل هي نوع جديد من الطاقة ما نعرفوش؟ هل هي قوة خامسة (شوف الأربعة الأولانيين هنا)؟ هل هي حاجة إحنا عارفينها بالفعل بس مش فاهمين تطبيقها إيه علي الكون كله؟
الحقيقة السؤال ده لسة مالوش إجابة قطعية مية في المية ، ولكن هناك شبه إتفاق إن أفضل المرشحين للطاقة الكونية هو حاجة إسمها "طاقة الفراغ" أو "طاقة اللاشيء"
Vacuum energy
ومن أسماءها أيضاً "طاقة الصفر"
Zero point energy
الطاقة العجيبة دي مرشحة لأن تكون هي الطاقة المظلمة المتسببة في تسارع الكون ، لأن هذا النوع من الطاقة ، إلي حنتكلم عنه حالاً ، هو الوحيد المعروف لينا له الخواص المطلوبة.
طيب إيه بقي حكاية طاقة الفراغ دي؟ الفراغ ليه طاقة إزاي يعني؟ أمال يبقي فراغ إزاي؟
الموضوع بيرجع لميكانيكا الكم ولنظريات المجال الكمية. من الخواص العجيبة لميكانيكا الكم هو إن كل ظاهرة فيزيائية تأتي في صورة "كميات" محددة. بمعني ، كمثال تخيل معايا إنك جبت كباية مليانة مية ودلقتها علي إيدك. المية بالنسبالك عبارة عن مادة "مستمرة"
Continuous
تبدو ليك وليا كما لو كان لا مكونات لها ، وإنك لو حبيت تقلل كمية المية تقدر تقللها إلي مالا نهاية وستظل مية زي ماهي إلي أن تنتهي تماماً. لكن إحنا عارفين إن ده مش حقيقي ، الواقع إن المياه مكونة من جزيئات صغيرة جداً وإنك لو قعدت تقلل كمية المياه إلي في إيدك ستصل إلي مستوي لا تستطيع فيه التقليل أكثر من ذلك ، مستوي الجزيئات.
ده شيء معروف لأي طالب ثانوي ، لكن الشيء المذهل إن هناك ظواهر أخري في الدنيا أيضاً مكونة من كميات ضئيلة جداً ولكن ليست لامتناهية في الصغر ، منها الطاقة مثلاً. ميكانيكا الكم تعلمنا إن هناك كمية أقل للطاقة لا نستطيع أن تقل عنها (وده مصدر الإسم ، ميكانيكا الكم أو الميكانيكا الكمية). يعني مافيش حاجة إسمها الطاقة تساوي صفر. حتي في الفراغ إلي المفروض مافيهوش حاجة خالص ، فراغ ، لا شيء ، ومع ذلك يحتوي علي طاقة ، صحيح قليلة جداً لكنها موجودة. هي دي طاقة الفراغ.
الكلام ده مش نظري ، هذه الطاقة تمت دراستها معملياً مئات المرات ، وأشهر التجارب إلي إتعملت عليها تجربة قام بيها واحد إسمه كازيمير
Casimir
إذاً هذه الطاقة موجودة في الكون بين المجرات والأجرام بكميات كبيرة. ومن خصائصها زي ما قلنا إنها بتشتغل عكس الجاذبية وتتسبب في دفع الكون وتسارعه. ولذلك الطاقة الفراغية دي هي المرشح الرئيسي للطاقة المظلمة.
بس فيه مشكلة. مشكلة من كتر ماهي مشكلة الناس سموها أسوأ تنبؤ في تاريخ الفيزياء. المشكلة إن كم طاقة اللاشيء الموجودة في الفراغ وتم حسابه بإستخدام ميكانيكا الكم وتم قياسه في المعامل أكبر بكتير جداً جداً جداً من الطاقة المطلوبة لتسارع الكون ، يعني أكبر بكتير من الثابت الكوني إلي تم رصده. والفرق بينهم كبير بحيث من المستحيل تفسيره علي إنه خطأ في التجارب أو الرصد. فرق مهول (حاجة بتاعة واحد وجنبها مئة صفر!!! متخيل الرقم؟). المشكلة دي معروفة في الأوساط العلمية بإسم "الكارثة الفراغية"
The vacuum catastrophe
و أحياناً "مشكلة الثابت الكوني"
The cosmological constant problem
طيب نعمل إيه؟ مانقدرش نقول إن طاقة اللاشيء لا وجود لها لأن قياسها تم معملياً بالفعل ، ومانقدرش نقول إنها موجودة ولكنها ليست مصدر تسارع الكون لأن معني كدة إن هناك شيء يلغيها بالكامل ويتبقي عندنا مشكلتين: الأولانية: ماذا يلغي طاقة اللاشيء ، والثانية هي نفس المشكلة الأصلية ماحليناهاش: لماذا يتسارع الكون.
الحل المنطقي إذاً هو أن طاقة اللاشيء هي بالفعل مصدر تسارع الكون ، لكن هناك شيء ما أخر مجهول يقلل منها كثيراً ولكن لا يلغيها بالكامل ، فيتبقي منها فقط ما يكفي لتفسير المعدل الحالي لتسارع الكون. وإلي بيخلي الكلام ده منطقي أكثر بالنسبالي أنا علي الأقل هو إن هناك فترة في تاريخ الكون حصلت بعد الإنفجار العظيم مباشرة إسمها فترة "التضخم"
الحل المنطقي إذاً هو أن طاقة اللاشيء هي بالفعل مصدر تسارع الكون ، لكن هناك شيء ما أخر مجهول يقلل منها كثيراً ولكن لا يلغيها بالكامل ، فيتبقي منها فقط ما يكفي لتفسير المعدل الحالي لتسارع الكون. وإلي بيخلي الكلام ده منطقي أكثر بالنسبالي أنا علي الأقل هو إن هناك فترة في تاريخ الكون حصلت بعد الإنفجار العظيم مباشرة إسمها فترة "التضخم"
Inflation
تمدد فيها الكون بمعدل تسارع ضخم جداً ، كما لو كانت طاقة الفراغ وقتها كانت مسيطرة بالكامل ، بدون أن يلغيها شيء لمدة كسر من الثانية ، وبعدين فيه حاجة إبتدت تأثر عليها وتلغيها ، وإنخفض تسارع التمدد جداً إلي المعدلات الحالية. من المنطقي إذاً إن طاقة الفراغ تكون مسئولة عن تمدد الكون في جميع مراحله. الكلام الأخير ده عن التضخم هو رأيي الشخصي علي فكرة ، وهو جزء من إهتمامي البحثي (ليا بحثين في الموضوع ده لغاية دلوقتي ، هنا وهنا - شوية دعاية شخصية بقي ، هو أنا يعني مالياش نفس؟).
(ملحوظة جانبية: التضخم كان من السرعة بحيث أن حجم الكون تضاعف 100000000000000000000000000 مرة ، 26 صفر ، في فترة زمنية لا تزيد عن 0.00000000000000000000000000000000001 من الثانية ، 34 صفر ، تقريباً. ركز كدة. إنت متخيل الأرقام دي؟)
(ملحوظة جانبية: التضخم كان من السرعة بحيث أن حجم الكون تضاعف 100000000000000000000000000 مرة ، 26 صفر ، في فترة زمنية لا تزيد عن 0.00000000000000000000000000000000001 من الثانية ، 34 صفر ، تقريباً. ركز كدة. إنت متخيل الأرقام دي؟)
عموماً أياً كان الحل فمافيش شك إن إحنا في مرحلة عظيمة في تاريخ العلم ، إحنا بندرس الكون كله علي بعضه ، بنحاول نعرف أصلنا وفصلنا ، جينا منين ورايحين فين ، وليه وإزاي ، فيه حاجة أحسن من كدة؟